بايدن لن يقدم حلًا في سوريا

لن تقدم إدارة بايدن حلول واضحة حيال الأزمة السورية، ولا جديد في ذلك، فإدارة بايدن ماهي إلا استمرار للإدارات السابقة.

في الرابع والعشرين من مارس الماضي، أقرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قرار جديد بشأن سوريا، وذلك بإجماع أعضاء اللجنة المكونة من ديمقراطيين وجمهوريين. 

وتضمنت بنود مشروع القانون تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري والتعهد بتحميل النظام وداعميه مسؤولية جرائم الحرب. لكن لم يأت مشروع القانون على ذكر سبل التطبيق باستثناء «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، وتعزيز المحاولات الدبلوماسية لإنهاء الصراع، وفقًا لقرار الأمم المتحدة 2254.

لكن بالرغم من الدعم الذي حصل عليه مشروع القرار، من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، لا يُلزم المشروع إدارة بايدن باتخاذ خطوات محددة، فلا يذكر أي إجراء مباشر عسكري أو سياسي أو قانوني ضد النظام السوري، ومشاريع القرارات بمثابة توصيات لا تحمل قوة القانون. 

موقع الملف السوري في السياسة الأميركية

الحقيقة أن الملف السوري ليس ضمن أولويات إدارة بايدن، ويحتل الاقتصاد ومواجهة تداعيات كورونا داخليًّا الأولوية القصوى. أما خارجيًّا، فينصب التركيز على ترميم علاقات الولايات المتحدة مع أوربا والحلفاء، والتنافس مع القوى العظمى كالصين وروسيا. 

بل ذهب أحد مستشاري بايدن إلى القول في مقابلة مع موقع «بوليتكو» (Politico) في فبراير الماضي، أن منطقة الشرق الأوسط برمتها ليست ضمن أهم ثلاث مناطق تركز عليها الإدارة الأميركية: آسيا والمحيط الهادي أولًا، أوربا ثانيًا، والنصف الغربي للكرة الأرضية ثالثًا. وفيما يخص ملف الشرق الأوسط المنسيّ أصلًا، ووفق المعطيات الحالية، يشكل البرنامج النووي الإيراني والحرب في اليمن أولويات الإدارة الجديدة.

على ما يبدو، لن تحمل سياسة إدارة بايدن الكثير من المستجدات حول سوريا. بل ستستمر على الخطوات العريضة ذاتها التي أقرتها الإدارات السابقة. وأهم تلك الخطوات الحفاظ على الوجود العسكري وتعزيزه في شمال شرق سوريا، ومنطقة التنف عند الحدود السورية مع العراق والأردن.

الإبقاء على التواجد العسكري «نقطة نفوذ» 

بدأ التواجد العسكري الأميركي في سوريا في عهد الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، بهدف محاربة تنظيم داعش. وبالرغم من ميل ترمب من بعده إلى سحب القوات الأميركية من سوريا تحت إطار سياسة «أميركا أولًا»، إلا أنه اضطر إلى إلغاء قرار الانسحاب نهاية عام 2019 بعد مواجهته معارضة سياسية هائلة. أعاد ترمب على إثرها تمركز القوات الأميركية حول الحقول النفطية القريبة من الحدود العراقية.

قرار الإبقاء على الوجود العسكري يُمكّن الإدارة الجديدة بقيادة بايدن من فرض تأثيرها كلاعب في مستقبل الترتيبات في سوريا. إذ أثناء حملة بايدن الانتخابية السنة الماضية وصف وزير الخارجية الحالي، أنتوني بلينكن، التواجد العسكري الأميركي في سوريا بأنه «نقطة نفوذ».

وتستطيع إدارة بايدن استخدام هذا التواجد العسكري كورقة ضغط في سعيها إلى إجبار الحكومة السورية على قبول بعض الإصلاحات السياسية وفقًا لقرار الأمم المتحدة 2254، مثل إجراء انتخابات حرة ونزيهة. مع العلم أن دمشق لم تظهر للآن أي رغبة في تقديم تنازلات سياسية، خصوصًا أن الحرب تم حسمها لصالح الأسد.

يأتي تركيز الوجود العسكري الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا أيضًا في سياق التقليل من مخاوف عودة تنظيم «داعش» إلى المنطقة. وفي سياق عرقلة محاولات إيران بسط سيطرتها وتسهيل عبور السلاح والمقاتلين بين سوريا والعراق. ويهدف كذلك إلى منع روسيا والنظام السوري من استغلال الحقول النفطية الكبيرة في محافظتيْ الحسكة ودير الزور.

خلال الشهرين الأخيرين استمرت الولايات المتحدة في إرسال التعزيزات والمعدات العسكرية إلى حليفها «قوات سوريا الديمقراطية». كما أشارت تقارير إعلامية إلى مباشرتها بإنشاء قاعدة جديدة على الحدود السورية التركية العراقية، ونشر منظومات دفاع جوي داخل قواعدها في محافظة دير الزور. حيث أجرت مناورات عسكرية وتدريبات مع حلفائها، في تأكيد عملي لاستمرار وجودها العسكري في سوريا. وحسب المعطيات الحالية، يوجد تقريبًا تسعمائة جندي أميركي في البلد.

استمرار إرسال المساعدات

يأتي تثبيت الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا مع توقعات برفع الإدارة الجديدة حجم المساعدات المالية المقدمة لإعادة الاستقرار في تلك المناطق، والتي خُفِّضت في عهد الرئيس الأميركي السابق ترمب. خاصة تلك المساعدات الموجهة إلى الخدمات الأساسية التي تؤمنها الإدارة الذاتية، إضافة للمنظمات العاملة في تلك المناطق.

وعلى الصعيد الإنساني، أعلنت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، في الثلاثين من مارس الماضي، عن تقديم 596 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للسوريين داخل البلد، وكذلك في البلدان المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين. لتصل بذلك قيمة المساعدات الإنسانية الأميركية مذ بداية الحرب إلى ما يقارب الثلاثة عشر مليار دولار. 

وتذهب معظم هذه المساعدات الإنسانية إلى برامج الأمم المتحدة مثل اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي. وكذلك إلى المنظمات العاملة في مجالات الصحة والصرف الصحي وتوفير المأوى وما شابه.

بالرغم من  نداء وزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكن، لمجلس الأمن الأممي فتح المزيد من المعابر الإنسانية بهدف تخفيف معاناة السوريين، فإن الدعم الأميركي الإنساني المعلن عنه مؤخرًا أقل من السنة الماضية، عندما قدمت الولايات المتحدة 720 مليون دولار من المساعدات الانسانية.

التمسك بالعقوبات ورفض التطبيع

ستستمر الإدارة الأميركية الجديدة بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على النظام السوري وداعميه. وتأتي العقوبات الاقتصادية المفروضة تطبيقًا لـ«قانون قيصر» الذي أقرته إدارة ترمب.

بموجب هذا القرار، يعاقب نظام الأسد وداعموه بتجميد الأموال، وفرض عقوبات على الجهات التي تقدم خدمات هندسية أو معمارية للحكومة السورية، وأي جهة تمول النظام السوري أو تستثمر في قطاع الطاقة والطيران السوري. وتهدف هذه الإجراءات إلى قطع الطريق أمام التطبيع مع دمشق قبل الوصول إلى الحل السياسي.

وكانت الخزانة الأميركية قد أدرجت أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وشقيقه اللواء ماهر وشقيقته بشرى، في لائحة عقوباتها الصادرة في شهر يونيو الماضي. وذلك باعتبارهم أشخاصًا داعمين لنظام الأسد في أعمال القتل المتواصلة التي يرتكبها جيشه على مدى السنوات الماضية.

في المقابل، تعالت مؤخرًا بعض الأصوات الصادرة من الجناح التقدمي لحزب بايدن الديمقراطي تدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا. من ضمن تلك الأصوات الرئيس السابق جيمي كارتر، إذ ناشد الدول الغربية إلغاء مطالبتهم بتغيير النظام السوري، وحثَّ على ضرورة فتح طريق تفاوضي جديد من أجل إخراج سوريا من حالة الحرب والبدء في إعادة تأهيل اقتصادها المدمر. ووضع كارتر رفع العقوبات في إطار هذه السياسة المقترحة.

لكن المعطيات الحالية تشير إلى رفض الإدارة الجديدة أي إجراءات من شأنها تطبيع العلاقات مع نظام الأسد خارج إطار الحل السياسي في جنيف. وجاء هذا الموقف على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، ند بريس، خلال مؤتمر صحفي في الثاني عشر من مارس بقوله: «لم يفعل الأسد أي شيء من أجل إعادة كسب الشرعية التي فقدها بوحشيته تجاه شعبه».

بايدن يعيد تنشيط الحراك الدبلوماسي 

المحرك الثالث الذي ستعمل عليه إدارة بايدن في سوريا تنشيط الدبلوماسية التي تراجعت في عهد الرئيس السابق. ويأتي هذا التحرك ضمن إطار وضع الدبلوماسية في «صلب سياستنا الخارجية» كما صرَّح بايدن في خطابه الأوّل حول الشأن الخارجي

حتى الآن ليس واضحًا كيف سيترجم هذا التنشيط الدبلوماسي على أرض الواقع في الملف السوري. فاللجنة الدستورية، التي وصفها المبعوث الأممي لسوريا بـ«بوابة الحل السياسي،» لم تنجح في إطلاق مفاوضات جدية حول الدستور بعد سنة ونصف من العمل. وهذا يعكس جمود العملية السياسية بشكل عام، والتي وقفت تراوح مكانها منذ سنوات طويلة بدون تقديم حلول ملموسة للشعب السوري.

قد تضع هذه الاعتبارات الإدارة الأميركية أمام ضرورة استخدام وسائل جديدة للمضي قدمًا في تحقيق الأهداف المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. منها مثلاً إعادة تنشيط «مجموعة أصدقاء سورية» تحت إطار تحالف دبلوماسي يعمل بصورة أكثر حزمًا. لا سيما أن الإدارة الأميركية تعمل على تحسين علاقاتها مع أوربا، وهذا من شأنه تشكيل حالة ضغط دبلوماسي كبيرة على النظام وحلفائه.

التعامل مع المعضلة الإيرانية 

قضية الوجود الإيراني في سوريا محركٌ آخر للسياسة الأميركية تجاه الملف السوري. إذ تمثل الهيمنة الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان وأجزاء من اليمن تهديدًا لإسرائيل ومصالح بعض حلفاء أميركا في المنطقة خاصة دول الخليج العربية. 

لكن هذه السياسة، بما يخص الملف السوري، مرتبطة في الأساس بقضية المفاوضات مع طهران حول الملف النووي، ومدى ما يمكن لإيران تقديمه من تنازلات جديدة تنهي حالة التوتر بين الطرفين.

إيران، التي تدرك صعوبة مفاوضاتها المقبلة مع إدارة بايدن حول الاتفاق النووي الجديد، تسعى إلى تقوية أوراقها، في الملف السوري خاصة. ويتحقق لها ذلك من خلال تعزيز دورها في الاقتصاد والمجتمع السوري، وكذلك في استمرار تمددها العسكري. ويجب على إدارة بإيدن أخذ هذا المعطى في حساباتها عند التفاوض مع إيران، واحتسابه ضمن نقاط القوّة الإيرانية.

ونتيجة لذلك، فمن المتوقع أن تتأثر سياسة بايدن في سوريا، بدرجة أو بأخرى، بالعلاقات الأميركية الإيرانية. أيُّ انفراج في هذه العلاقة، وخاصة على صعيد تخفيض العقوبات عن إيران، سيؤدي إلى رفع حجم التمويل الإيراني للنظام السوري وتخفيف حدة أزماته الاقتصادية والمالية.

وظهر ارتباط العلاقة الإيرانية الأميركية بالملف السوري جليًّا في قصف بايدن المقاتلين المواليين لإيران في شرق سوريا في فبراير الماضي، ردًّا على استهداف المليشيات المدعومة من إيران أهدافًا أميركية في العراق.

إدارة بايدن تسلك طريق المألوف

خلال عشر سنوات من الحرب قدمت الولايات المتحدة الدعم السياسي والعسكري المحدود للمعارضة السورية، كما تدخلت عسكريًا لمساندة «قوات سوريا الديمقراطية» في حربها ضد داعش. ورغم نجاح هذه السياسة في طرد التنظيم المتطرف من معاقله السوريّة، فقد فشلت في إجبار نظام الأسد على المشاركة في المفاوضات الأممية، أو حتى تقديم أبسط التنازلات. 

وذهب بعض الدبلوماسيين الأميركيين إلى القول إنّ السياسة الأميركية في سوريا يجب أن تتضمن تهديد النظام بالضربات العسكرية ضده، بهدف إرغامه على تغيير سلوكه. وهذا مخالف لموقف الرئيس السابق باراك أوباما الذي رسم «خطًا أحمر» حول الأسلحة الكيماوية، ثم لم يعاقب النظام بعد قصفه الغوطة الشرقية لدمشق بالسلاح الكيماوي، ما خلف مئات الضحايا المدنيين.

في المحصلة، سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا هي استمرار لسابقاتها مع تغيرات طفيفة قد تحصل ردًّا على معطيات جديدة. إذ سيستمر التواجد العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا، والأمر ذاته مع تطبيق العقوبات وتقديم المساعدات والتحركات الدبلوماسية. لكن كل هذه الإجراءات لم تكن كافية لإجبار النظام على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، خصوصًا بعد فوزه العسكري، بفضل الدعميْن الروسي والإيراني له.

إيرانالولايات المتحدة الأميركيةبايدنسورياالرأيالسلطة
المقالات العامة
المقالات العامة
منثمانيةثمانية