نعم لزيادة ضرائب الأراضي!

ارتبطت ثقافة الاستثمار في السعودية بشراء أراضٍ وتركها لعقود ثم بيعها بسعر أعلى. وقد حان الوقت لرفع الضريبة على تلك الأراضي.

لا بد لكل اقتصادي سعودي أن يملك الجواب الجاهز على السؤال التالي: لو بيدك فرض أي سياسة اقتصادية في البلد، سياسة واحدة فقط، ماذا ستكون؟ أجزم أن سياسة رفع رسوم الأراضي البيضاء ستكون إجابة الكثيرين، فهي قادرة على حل الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلد. 

ثقافة الاستثمار في السعودية

في كل كتاب يتناول تاريخ الاقتصاد السعودي ستجد القصة المكررة ذاتها: تريد الدولة تشجيع الطبقة الرأسمالية على استثمار أموالها في قطاعات إنتاجية، لكن الطبقة الرأسمالية لا تستثمر. فتضطر الدولة للاستثمار بنفسها، تمامًا كما حصل مع «سابك». 

ثمة عدة أسباب لتكرار هذه القصة في السعودية، يعود أهمها إلى عقلانية التجار. إذ يتبادر إلى أذهانهم السؤال: «لماذا أستثمر مالي في مصنع وبنسبة مخاطرة عالية بينما أستطيع شراء أرض فضاء شبه مضمون الربح فيها؟» ويدرك التجار أن الأخيرة تحقق ربحًا أوفر. ليعيق هذا النمط من التفكير ثقافة الاستثمار في البلد على مدى عقود.

لا يقتصر الأمر فقط على التجار والأثرياء. حتى في المجالس ستجد تكرارًا للنصيحة ذاتها: «اشتر أرض وانس عنها». ستجد معلمات اقترضن ليشترين الأرض بنية استثمارية. وستجد من يسخر في تويتر بـ«ميمز» تتحدث عن ثروة الأجيال السابقة التي تكونت عن طريق شراء قطعة أرض.

بكل بساطة ارتبطت ثقافة الاستثمار في السعودية بشكل وطيد مع الأراضي البيضاء وتضخم أسعارها. وتغيير هذه الثقافة ينبغي أن يكون من أولويات الدولة.

إذ لا يوجد أي قيمة اقتصادية حقيقية مضافة من شخص استثمر ماله في أرض بيضاء وباعها بضعف السعر. فكل ريال يصرف في هذه البيعة ريال كان من الأجدر استثماره في أصول ينتج عنها فوائد اقتصادية حقيقية كسوق الأسهم مثلًا.

لهذا أرى أنَّ رفع الضرائب على الأراضي البيضاء سيغيِّر الثقافة الاستثمارية في السعودية من «ثقافة ريعية» إلى «ثقافة تبحث عن الأصول الإنتاجية». فحفظ التاجر لأمواله على شكل أراضٍ بيضاء لا يعود بفائدة على اقتصاد الدولة. في حين حفظها على شكل سندات أو أسهم سيذهب بهذه الأموال إلى أيدٍ تشغلها في تنشيط الاقتصاد الفعلي.

الرد على الحجج ضد رفع الضرائب

أول حجة يطلقها تاجر التراب على المقترح التخويف من «هجرة الأموال من البلد». لكن كما ذكرت، لا يوجد أي فائدة اقتصادية فعلية من الاحتفاظ برؤوس الأموال على شكل أراضٍ بيضاء بتاتًا. ولو كان لها فائدة فلماذا لا نجدها في أي دولة متطورة اقتصاديًا؟

تفترض هذه الحجة عدم وجود بدائل استثمارية في السعودية، وهذا غير صحيح. ولو احتفظ التاجر بأمواله على شكل سندات حكومية سيقلل من حاجة الدولة إلى التدين بعملات أجنبية.

كذلك:

إن أراد كل تاجر الاحتفاظ بأمواله على شكل أراضٍ، فذلك يعني زيادة الطلب على الأراضي بكمية ضخمة وبالتالي ترتفع أسعار الأراضي بطريقة مصطنعة. والناتج النهائي الوصول لأسعار لا تعكس القيمة الاقتصادية الحقيقية للأراضي.  Click To Tweet

وتتمثل الحجة الثانية في البيروقراطية. فعندما يريد مالك الأرض تطويرها يصطدم بالبيروقراطية وبالتكاليف ثم يُرفض مشروعه وبعد ذلك يُلام على تركه للأرض. المقصد أن المشكلة الحقيقية في قطاع العقار السعودي ليست في الاحتكار، لكن في الإجراءات الحكومية لتطوير الأراضي.

سالفة بزنس فحص العقارات «منصة عاين»

سولفنا في هذه الحلقة مع علي آل محسن، مؤسس «عاين» ورئيسها التنفيذي. و«عاين» منصة إلكترونية تقدم خدمة فحص العقارات وتقديم تقرير فحص احترافي بواسطة فاحصين

16 أغسطس، 2021

إذا صح الكلام، فلن يتضرر صاحب الأرض من رسوم الأراضي. وإن ترك الأرض خلاءً بسبب عجزه عن تطويرها، فلا سبب يدعوه إذن للتمسك بها. يبيعها ويترك العبء لغيره. وإن كان بالفعل لا توجد فرصة لتطوير هذه الأراضي، وكان الأمر معلومًا، فلسنا مطالبين بالسماح بارتفاع أسعار الأراضي فقط كي يتكسب أصحابها لاحقًا.

العائد من القول

علينا أن نتذكر أن كثيرًا من عمالقة علم الاقتصاد، من آدم سميث إلى هنري جورج، دعموا فكرة فرض الضرائب على الأراضي كنوع من المحفزات الاقتصادية. فالدخل الريعي الذي ينتج من الأراضي ليس منشطًا اقتصاديًّا. 

وذكر العالم الاقتصادي الكبير ميلتون فريدمان:

كل أنواع الضرائب قد ينظر إليها كمحاربة للنشاط الاقتصادي الحر. لا زلنا بحاجة للضرائب لكن السؤال هو، أي الضرائب أقل ضررًا؟ في رأيي، أقل الضرائب ضررًا هي على الأراضي غير المطورة

الأراضي البيضاء أكبر مرض اقتصادي يعاني منه الاقتصاد الاستثماري في السعودية. ولمعالجته لا بد من فرض رسوم أراضي أعلى، عليها جميعًا. 

الاستثمارالاقتصادالضرائبالعقاراتالرأسمالية
المقالات العامة
المقالات العامة
منثمانيةثمانية