اللهم اجعلنا من الفاهمين لا الحافظين

آمنت أنّي لو قضيت بقيّة عمري أكتب أدلة إجرائية، وغير إجرائية، وأرسم خططًا وأعقد اجتماعات بفائدة، ومن دون فائدة، لذهبت كلّها أدراج الرياح.

من يعمل معي، يعرف أنّي أحب أن تمشي الخطط كما أحب، وأني دكتاتورية فيها، كما يُعيد ويزيد نايف. إلا أن الشهر الماضي، وقعت على رأسي حادثتان، سأحاول سردها بأقل دراميّة ممكنة، لكنّي أحلف أنّها هي الدرامية، ولست أنا.

بعد عشر مكالمات وعشرة اجتماعات، صرنا على أهبة الاستعداد. سافر الفريق، كما خططنا، دخل الضيف، كما خططنا، جلس على الكرسي، كما خططنا، رتّب شماغه، كما خططنا.

إلا أن محادثةً جانبية في طرف الغرفة، جعلته ينهض، يشعل سيجارته، ويغادر المكان، ببساطة. المكان المُجهّز بثلاث كاميرات، وثمانية أشخاص، وميكروفون، ومُحاوِر على الكرسي.

في المرّة التالية، حلفنا ألا نعيد الكرّة، وأن «نلعبها صح» ونلغي أي فرصة لمحادثة جانبية. سافر الفريق ودخل الضيف وجلس على الكرسي ورتّب شماغه وبدأ التصوير، كما خططنا.

إلا أن كرسي المحاور هذه المرّة، سقط. قرّر نايف، وهو يتذكر التهديد والوعيد، ألا يقطع حبل أفكار الضيف. فصار لدينا ضيف ينظر للأسفل، ولقطة سينمائية تُنافي أبسط قواعد السينما.

قرأت بعدها أو قبلها مقالة، من النوع الذي يغيّر حياتك، عنوانها «أشياء لا يُمكن حسابها» (Does Not Compute)، وبدأت النقاط تترابط في رأسي، كما يقول الشيخ ستيف. يشرح الكاتب في هذه المقالة المتغيرات التي لا تحسبها الجداول، لكنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة.

من تلك اللحظة آمنت أنّي لو قضيت بقيّة عمري أكتب أدلة إجرائية، وغير إجرائية، وأرسم خططًا وأعقد اجتماعات بفائدة، ومن دون فائدة، لذهبت كلّها أدراج الرياح مع أوّل كرسيٍ يسقط أو ضيفٍ يُغادر.

وآمنت أن أهم ما تعتمد عليه وعيُك بالشكل الأفضل للعمل، وحدسك الذي يتطوّر، وتعاملك مع التحديات بذكاء، وحضورك الذهني العالي، وقدرتك على اتخاذ قرارات أفضل دائمًا. لأنّها القيمة الغريزية التي لا تنضب، أمام كل المتغيرات، والكراسي.

تذكّر أن العالم يمشي من دون معادلات ثابتة، لأنّه «مش مصنع ألماني.» وردِّد دائمًا: «يا رب، اجعلنا من الفاهمين، مش الحافظين.»

النشرة السرّية
النشرة السرّية
منثمانيةثمانية

ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.