ماذا تفعل بعد الخامسة مساءً؟

لا أشعر أن الروتين يأخذ منّا الاحتفاء الذي يستحق، فبدونه يكون إنجازنا محض صدفة ونجاح غير مستمر يخبو ويخفت حسب الظروف ومجريات الأيام.

في مطلع عام 2017، انتقلتُ وزوجتي إلى مدينة سيؤول، عاصمة كوريا الجنوبية لدراسة الماجستير. لا أتذكّر أنّي تجمّدت من البرد في حياتي كما تجمّدتُ وقتها، وكلّ يوم.

وبعد تلاشي آثار الحمّى -والكثير من الشاي الكوريّ- بدأنا في البحث عن سكنٍ مناسب. وقع اختيارنا على منزل صغير، غرفتين وصالة ودورة مياه مساحتها متر في مترين. كان المنزل بجوار جامعة زوجتي. وحتى أصل إلى جامعتي، كان يجب أن أمشي مسافة 12 دقيقة تقريبًا لأستقلّ الباص رقم 272 لمدة 50 دقيقة تقريبًا ليوصلني إلى جامعتي.

كنتُ في تخطيطي «أشيل» همّ هذه الساعة، ماذا عساي أن أفعل في ساعتين يوميًا؟ اليوم بعد مضي 5 سنوات وأكثر، لو سألتني ماذا أفتقد في كوريا؟ سأقول لك هاتين الساعتين.

مع مرور الأيام، ولأني لا أستطيع النوم في الأماكن العامة، تكونت لديّ عادات جديدة. سمعتُ فيها أول كتاب صوتي، وأدمنتُ البودكاست. هذا غير أن تجربة النقل العام تحتم عليك الصمت والتأمل في بداية يومك ونهايته.

أحببت هذا الجزء الثابت من يومي كثيرًا، هذا الروتين المُستدام، لدرجة أني كنت أفتقده أحيانًا في نهايات الأسبوع. الأمر الذي قادني للتفكر، ما الأجزاء الأخرى في يومي التي علي أن أحرص على ثباتها؟ حتى أضمن مزاجًا أفضل، وإنتاجية أكثر، وجودةً في نتائج مهام الدراسة والعمل.

ارتباط الروتين بالملل لا أجده دقيقًا، فالروتين الذي تحرص على تصميمه وبنائه هو طريقك لأحلامك وأهدافك. فكل الناجحين الذين عملت معهم كان لديهم روتينٌ يحافظون عليه ويحمونه ويضحون بما سواه ليبقى مستمرًا.. ماذا يفعل صباح الجمعة؟ وبعد المغرب؟ متى يجدول اجتماعاته؟ وأين يحرص على تناول غدائه؟

ولذلك تعلمت حين أقابل مرشحًا لوظيفة، ألّا أسأله عمّا يريد أن يكون بعد 5 سنوات. بل، عمّا سيفعل بعد الساعة الخامسة مساءً. لأن هذا الروتين، الذي اختار أن يقضي وقته فيه، يجعلني أتخيل كيف سيصبح في المستقبل.

لا أشعر أن الروتين يأخذ منّا الاحتفاء الذي يستحق، فبدونه يكون إنجازنا محض صدفة ونجاح غير مستمر يخبو ويخفت حسب الظروف ومجريات الأيام. وبينما يسود به أناس عن غيرهم ويستمر مبدعٌ في إنجازاته ويختفي آخرون، يبقى الروتين هو العامل الأكبر الذي يُحركنا باتجاه أهدافنا. 

النشرة السرّية
النشرة السرّية
منثمانيةثمانية

ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.