أعد تدوير جهازك الإلكتروني

حرصك على التخلص من جهازك بالطريقة المناسبة سيشجع صناعة إعادة تدوير الإلكترونيات على التوسع، وستدفع بمُصنِّعيها ليضعوا ذلك في الاعتبار.

في أحد أيام الحظر الجزئي، شاركتني أمي رغبتها في إيجاد خدمة إعادة تدوير للأجهزة الإلكترونية المستعملة. لم أجد خلال بحثي إلا شركة واحدة، تركت لها حاوية في منطقة بعيدة. لتعلن أمي بعدها  لبقية أفراد الأسرة عن هذا السعي النبيل مع تحديد أسبوع واحدٍ مدةً للتجميع. تكاثرت الأكياس في مخزن البيت خلال ذاك الأسبوع، على أن آخذها مع نهايته إلى الحاوية.

فما الذي جعل أمي تفكر بهذا الموضوع؟ أمي التي عاصر جيلها الانتقال من إعادة تعبئة قناني كوكاكولا الزجاجية في سِلالها ليعيد المصنع استعمالها، حتى الإلقاء بها في سلال القمامة التي تقذف حصيلتها يوميًا بكافة محتوياتها المتنوعة في مكبٍ واحد.

نتخلص سنويًا بما يعادل سبعة كيلوقرامات من الأجهزة الإلكترونية. ويأخذ جهازك من الوقت يومًا واحدًا فقط بعد رميك له لينتهي في مكب نفايات كبير. من هناك تتسلل مواد سامة من تحلل جهازك تُسمِّم التربة والهواء والماء. وإن كنت تقرأ هذه الكلمات من بلد عربي، فيسعدني (أو يحزنني؟) إخبارك بأن هذا التسمم سيكون من نصيبك أنت ومن حولك. أما إن كنت تقرأ هذه الكلمات في أوربا أو أميركا الشمالية، ستكون من نصيب بلدٍ نامٍ آخر.

تقدَّر نسبة الأجهزة المعاد تدويرها اليوم حول العالم بـ17% فقط. فعملية إعادة تدوير النفايات الإلكترونية لا تزال صعبة ومكلفة جدًا، خصوصًا أن الأجهزة الإلكترونية ذات العمر القصير لم تُصمَّم لخوض هذه العملية. فمنشأة بهذا التخصص تحتاج عددًا كبيرًا من الأيدي العاملة المتخصصة وأجهزة ثقيلة لتشغيلها. وبدورها تحتاج تلك الأيدي العاملة والأجهزة إلى مساحات مكانية كبيرة، وهذا كله يعني ميزانية ضخمة، وقبل ذلك رغبة صادقة في التغيير نحو الأفضل. لكن العجيب أن في إعادة التدوير هذه إن عُمّمت، ربحًا كبيرًا يتلخص في المواد النفيسة في الرقائق كالذهب والنحاس.

تبدأ المنشأة بتقييم مدى إمكانيّة إعادة استعمال الجهاز كما هو (أو جزء منه كلوحة مفاتيح الحاسوب) أو إعادة تدويره. ويتطلب هذا تفكيك الجهاز، حيث تُزال المواد الخطرة كالنحاس والزئبق وترسل لمنشآت متخصصة بها، فيما يتم معالجة ما تبقى من المواد ليعاد استعمالها في أغراض أخرى. 

كيف بيدك المساهمة في التقليل من ضرر النفايات الإلكترونية؟

ستتضاعف نسبة النفايات الإلكترونية خلال العقد القادم، وستنعكس النسبة على نسبة التسمم المؤثرة على البيئة من حولنا وعلينا تباعًا. والأسوأ على العاملين غير النظاميين الذين يشتغلون في جمع المعادن من مكبات النفايات بطريقة غير محمية.

حرصك على التخلص من جهازك بالطريقة المناسبة سيشجع صناعة إعادة تدوير الإلكترونيات على التوسع، وستدفع بمُصنِّعيها ليضعوا في الاعتبار هذه العملية لدى تصميم الجهاز. أو أنجز بنفسك خطوات منشأة إعادة التدوير الأولى: هل تعرف من يمكنه الاستفادة من الأجهزة؟ ألا تزال صالحة للاستعمال بما يسمح بالتبرع بها؟ أو ربما أهم، لا تتعجل بتغيير هاتفك وفق آخر الصيحات والتحديثات، وإن كان هذا موضوعًا آخر.

حين وصل الموعد النهائي على تجميع النفايات الإلكترونية في المنزل وجاء موعد النقل، لم يحصل هذا في اليوم المحدد، ولا الذي تلاه، ولا بعده. إذ لم أستطع حفظ الأكياس في سيارتي كما أفعل مع أكياس البلاستيك في صيف الكويت الحار حتى يأتي اليوم (الذي لا يأتي فعلًا) يأخذني فيه مشوارٌ آخر إلى المنطقة حيث الحاوية. دخلت المخزن بعد الموعد النهائي بعدة أيام، ولأن أمي هي أمي، لم أجد الأكياس. 

هدفي الجديد للعام الجديد الذهابُ إلى حاويات إعادة التدوير لهذا الهدف دون غيره من المشاوير، مستقلةً، بالطبع، سيارتي التي تستهلك القازولين.

الروابط:

البيئةالتلوثالنفاياتالمستقبل
بودكاست بُكرة
بودكاست بُكرة
منثمانيةثمانية

بُكرة، لكل الشباب الواعد، نطرح أسئلتنا الكبيرة والصغيرة والمتغيرة والعالقة، مع مختصّين وباحثين وعُلماء، ونفهم معهم كيف نعيش ونستعد ونعمل من أجل مُستقبل أفضل.