الهودج في الطريق إلى ثمانية

لا يسعني إلّا أن أتساءل، ما الذي كان يتحدّث عنه أجدادنا في الهودج؟ فلا أظن أن هناك زحامًا يشتكون منه في الصحراء.

أعتقد أنَّ مفهوم مشاركة المشاوير (Carpooling)، يُعدُّ مفهومًا قديمًا قِدم الثورة الزراعية، حين استأنس البشر الحيوانات، واستخدموها للترحال ونقل البضائع، ولنا في تصميم الهودج خير دليل.

ولمن لا يعرف الهودج، هو مركبة واسعة تشبه الغرفة، توضع على ظهر الجمال -أو الفيلة في ثقافات أخرى-، ليركبها البشر، وتحمل متاعهم في أثناء التنقل. يقابل هذا المفهوم السيارات في عصرنا الحالي، ولو أنَّ الهوادج أقل رفاهية وأكثر مشاركة، فأكاد أجزم أن الأوقات التي نقضيها بالقيادة وحدنا في الزحام، صباحًا أو مساءً، هي أكثر الأوقات التي نشعر فيها بالوحدة، رغم أننا محاصرون –حرفيًّا– من النواحي كافة.

يبعُد مكتب ثمانية ثلاثين دقيقة عن بيتي في الأيام الخفيفة، ولو أضفنا عامل الزحمة فإنَّ المدة الزمنية تتضاعف. أستغرق عادة خمسًا وأربعين دقيقة للوصول إلى المكتب، وساعة أو أكثر للعودة إلى البيت. لا أخفيكم أنني كنت أشعر بالتعب النفسي والجسدي، الأوّل وجدنا له حل والآخر لم أزل أعاني منه.

عند حديثي مع أعز أصدقائي «نورة أم ليلي» عن هذا الأمر، اشتكت إليَّ من المعاناة نفسها، إلَّا أنها زادت عليها بمشكلة المواقف، وعدم إيجاد مكان لركن سيارتها لدى المكتب الذي تعمل فيه. هنا توصلنا إلى حلٍّ؛ لماذا لا نتشارك مشاويرنا للعمل؟ فساعات العمل في ثمانية مرنة، وبيت نورة لا يبعد عن بيتي كثيرًا.

أسبابي لمشاركة المشوار مع نورة أسباب أنانية بحتة، فأنا أرغب بمَن يشاركني الطريق، ويَرُدّ عليّ الصوت في الزحام، غير أصوات أبواق السيارات. نورة ترى هذه التجرِبة من منظور أوسع، علاوة على منافعها الشخصية النفسية، فإنها تعد ممارسة اجتماعية وبيئية حكيمة. وهذا رأي تدعمه الدراسات العالمية، فمشاركة المشاوير تقلل من استهلاك الطاقة والتلوث، وما إلى ذلك. أمَّا الفوائد الاجتماعية فتكمُن في تخفيف الزحام، ومداواة الهموم الاقتصادية بمشاركة مصاريف البنزين، وتمكين من يشارك سيارته بالاستمتاع بطريقه، ليصل لوجهته بأفضل مزاج، أو حتى بأقل أذى نفسي.

مشاركة طريقي صباحًا بالتحديد تضعني في حالة ذهنية اجتماعية نشطة، أرى أثرها على نفسي خلال اليوم. أصل إلى المكتب بروحٍ إيجابية واجتماعية، وتُيسّر عليَّ المهام اليومية، فمثلًا، فكرة هذه التدوينة جاءت ثمرةً لعصف ذهني مصغّر في السيارة.

بالنسبة لي، فائدة مشاركة السيارة تكمن في الأُنس والصحبة، فصباحًا نتحدث عن خططنا الأسبوعية وأهدافنا اليومية، ومساءً نشارك أيامنا وأحداثها مع بعضنا، أو نتقاتل على اختيار الأغنية أو البودكاست. لا يسعني إلّا أن أتساءل، ما الذي كان يتحدّث عنه أجدادنا في الهودج؟ فلا أظن أن هناك زحامًا يشتكون منه في الصحراء أو طابورًا يتذمّرون منه لدى مشرَب الماء إن وجدوه.

النشرة السرّية
النشرة السرّية
منثمانيةثمانية

ابق قريبًا من فريق ثمانية، آخر أخبارنا وكواليسنا وتدويناتنا في رسالة خاصة وسرّية جدًا، تصلك في كل أسبوع.