لماذا نجاحك الباهر قد يؤدي إلى إغلاق مشروعك 🐻
السعي إلى تحقيق الإنتاج الإبداعي المثالي، كل يوم، قد يكلفك أكثر مما تظن.
قبل أن تغرِّد نقمك من القراء الذين يشترون كتب تطوير الذات، اعلم أنَّ هذه الكتب ليست اختراع هذا العصر، بل يُنسَب الفضل إلى الثورة الصناعية في بريطانيا التي قدَّمت وعدًا بأنك إن كدحت بما يكفي، ستنال الحياة السعيدة الثرية التي تحسد الناجح عليها.
ويقول جوزيف هنريك، بروفيسور الأحياء التطوُّري، في مقال «كتب تطوير الذات نشأت على أرض القلق النفسي» (The self-help books began in the land of the stiff upper lip) أنَّ منذ تلك الثورة، التي منحت الفرد لأول مرة القدرة على اعتلاء السلم الاجتماعي والطبقي بناءً على إنتاجيته وانتهازه الفرص، بات القلق بلاء الإنسان.
«ففي عالم يغذي الفردانية، ينبغي عليك تطوير ذاتك بحيث تغدو ذاتًا فريدة وجاذبة لاهتمام الآخرين.» وهذا لا يعني مواجهة تحدي تطوير ذاتك فحسب، بل يعني التعامل مع التحدي الأكبر بإيجاد الوقت الكافي لتطوير ذاتك.
واعلم أنَّك حين تنشر تعليقات سلبية حول من يشترون كتب تطوير الذات، ناقمًا على تفاديهم شراء كتب الفلسفة، فأنت لا تختلف عنهم في رغبتهم لفت الانتباه إليهم، وإظهار تفوقهم الفردانيّ وذاتهم المتطورة.🤷🏻♀️
لماذا نجاحك الباهر قد يؤدي إلى إغلاق مشروعك 🐻
إذا شاهدت مسلسل «ذ بير» (The Bear)، عن مطعم صغير يكافح صاحبه وفريقه لأجل الحصول على نجمة «ميشلان» الشهيرة، ووصلت الحلقة الأخيرة من الموسم الثالث، ستفهم تمامًا ما الذي أعنيه بالعنوان أعلاه (اطمئن لم أحرق عليك الأحداث).
إذا لم تشاهده بعد، أنصحك بمشاهدته وألا تنخدع بتصنيفه عملًا كوميديًّا؛ هذا مسلسل يحيي فيك صدمات الحياة العائلية وبيئة العمل بمختلف صورها، ويعلمك ضرورة مواجهتها والتعامل معها. ويعلمك أيضًا أنَّ السعي إلى تحقيق الإنتاج الإبداعي المثالي، كل يوم، قد يكلفك أكثر مما تظن.
في بحث جديد نشره مقال «لعنة نجمة ميشلان» (The Curse of the Michelin star) على الإيكونومست، تبيَّن أن 40% من مطاعم نيويورك الحاصلة على نجمة ميشلان ما بين الأعوام 2005 - 2014، أغلقت أبوابها إلى الأبد في عام 2019. هدف البحث الذي أجراه دانيال بي ساندز، من جامعة كلية لندن للأعمال، ليس دراسة حال المطاعم تحديدًا، بل اتخاذها حالةً يدرس خلالها تأثير تقييم الطرف الثالث والمراجعات النقدية والتصنيف العالي على العملية الإبداعية لدى المؤسسة، وإلى أي مدى تحفِّز الإنتاج الإبداعي أو تعيقه.
يستهل ساندز بحثه بأنَّ «للتقييمات أثرٌ بالغ في نشاط السوق، وأظهرت التقييمات الإيجابية أثرًا إيجابيًّا في أداء الشركات بمنحها المصداقية أمام المستهلك، ويمنحها وصولًا أفضل إلى الموارد والتمويل. لكن ثمة جانبًا مظلمًا لها. فالنجاح الجديد وما يترتب عليه من مكانة قد يسبب صدمة تخلق بدورها مسببات قلق جديدة لدى صاحب المشروع، وتشجعه على أخذ مخاطرات غير محسوبة، وتربك العلاقة بين المُنتَج الذي يصنعه والمستهلك.»
إذا عدنا إلى المطاعم صاحبة نجمة ميشلان، (ولو شاهدت حلقات الموسم الثالث من «ذ بير»)، نجد أنَّ مشاركة كبار النقّاد تقييمًا إيجابيًّا عن المطعم تؤدي إلى ارتفاع حاد في عدد الزبائن الراغبين في تجربته، ويؤدي أيضًا إلى تغيّر قاعدة الزبائن المعتادة التي ارتبطت عاطفيًّا بالمطعم ولا تكترث لمثالية منتجه كل مرة.
هذا الارتفاع في عدد الزبائن الجدد يسبب ضغطًا على المطعم في توفير تجربة أولى ممتازة كل ليلة لضمان عودة الزبون والاستحواذ عليه. ولكي يضمن المطعم مثاليّة هذه التجربة، يزداد الضغط النفسي والجسدي على الموظفين.
أيضًا، تتطلب التجربة المثالية تأمين مواد أولية ومكونات طهي فاخرة، والمسألة ليست بسهولة ركوب سيارتك والتوجه إلى سوق الخضرة لشراء البطاطس والطماطم. هذه المكونات لها موردون، حتى البصل ينبغي أن يكون من فئة فاخرة. وما أن يعرف أحد الموردين بحصول مطعم على تقييم عالٍ في صحيفة مثل نيويورك تايمز مثلًا، أو نجمة ميشلان، من السهل عليه فرض رفع السعر.
المورِّد ليس وحده من سيرفع السعر؛ صاحب العقار الذي يؤجر منه صاحب المطعم سيبدأ التفاوض على رفع سعر الإيجار، بحجة ارتفاع عدد الزبائن، وأيضًا بناءً على «كشخة» الزبائن التي توحي بالثراء.
نأتي الآن إلى الموظفين: هم أيضًا سيطالبون بعلاوات ورفع الرواتب بما يتناسب مع مكانة المطعم الجديدة، وبما يتلاءم مع ارتفاع الجهد المبذول. وهنا يسهل على المنافسين التسلل، وقنص أعضاء الفريق لصالحهم مقابل أجور أعلى، واكتساب العضلة الإبداعية والعملية التي كوَّنها أساسًا صاحب المشروع والآن خسرها. (كما حدث في آخر حلقات الموسم الثالث من «ذ بير»، لكن لن نتأكد من نجاح القنص إلا مع الموسم الرابع.)
ارتفاع التكاليف الإجمالية على مختلف الجبهات، سيرفع النفقات الأساسية للمشروع إلى حد كبير، ويجبر صاحب المطعم على رفع معدل الاستدانة من الممولين (من ضمنهم الربويين مثل «ذ بير»). ولكي يسدد التكاليف والديون، سيضطر إلى رفع سعر الوجبة.
أما إذا أراد صاحب المطعم الحفاظ على سعر الوجبة حتى لا يبدو انتهازيًّا من أولها، سيعمد إلى زيادة عدد المناوبات، لضمان حجز أكبر عدد ممكن من الطاولات في الليلة الواحدة بما يكفي لتغطية الكلفة الأساسية. وبالطبع، سيؤدي هذا بدوره إلى رفع الضغط على الفريق المرهق أصلًا، وإلى انخفاض نوعية الإنتاج مع زيادة عجلة الأداء، ووقوع الأطباق على الأرض قبل بلوغها الطاولة. (هذا الاستنتاج ليس من البحث بل من مشاهدة الموسم الثالث من «ذ بير».)
مع وصولك ختام بحث ساندز المعنون «نجمة مشلان ذات الحدين» ستدرك أنَّ النجاح الذي تجلبه هذه النجمة ومثيلاتها يتطلَّب خطة محكمة للتعامل معه ومع آثاره السلبية قبل الإيجابية، لكي لا يخسر المطعم قيمته السوقية والإبداعية بسببها. والاستنتاج نفسه يُطبَّق على التعامل مع النجاحات الباهرة في حياتنا الشخصية والعملية وفي السوق، وهو الاستنتاج نفسه الذي كنت ستصل إليه لو أنك شاهدت مسلسل «ذ بير».🐻
شبَّاك منوِّر 🖼️
في كتاب «الأدب الكبير» انتقى عبدالله ابن المقفّع حكمًا فارسية بصفتها لغته الأم، لكنه كتبها بعربية أنيقة تلامس القارئ. في القسم الثاني من كتابه، تناول الأصدقاء وما يجب أن يكون بينهم من طيب العشرة ولطف المعاملة وحسن الظن، وحكمةٌ منها لفتت انتباهي لمعالجتها انتحال الآراء بين الأصدقاء: 🥸
«إنْ سمعتَ من صاحبك كلامًا أو رأيتَ منه رأيًا يعجبك، فلا تنتحِلْه تَزَيُّنًا به عند الناس، واكتفِ من التزيُّن بأن تجتني الصَّواب إذا سمعته، وتنسُبَه إلى صاحبه. واعلم أنَّ انتحالك ذلك مسخطةٌ لصاحبك، وأنَّ فيه مع ذلك عارًا وسُخْفًا. فإن بلغ بك ذلك أن تُشير برأي الرجل وتتكلمَ بكلامه وهو يسمع؛ جَمَعْتَ مع الظلم قلَّةَ الحياء، وهذا من سوء الأدب الفاشي في الناس. ومن تمام حسن الخُلُق والأدب في هذا الباب، أن تَسْخُو نفسُك لأخيك بما انتحلَ من كلامك ورأيك، وتنسُبَ إليه رأيه وكلامه، وتُزيِّنَه مع ذلك ما استطعت.» 📜🙏🏼
ينبّهنا المقفّع إلى تصرف قد نراه عاديًا أو لا ننتبه له حتى، خاصة في العمل عندما ينسب زميل أو مدير إلى نفسه فكرة أو اقتراحًا دون الإشارة إلينا، وقد نكون نحن الفاعلين. أو حتى عندما تعجبنا مقولة أو رأي، فنتبنّاه كأنه لنا. 🫢🕴🏻
تحذِّرنا حكمة المقفع من ذلك لأنه يفتح بابًا لتقبّل النفس سرقة ما يعود إلى غيرها، والتسامح مع سلب حقٍّ فكري لآخر. بل لو أننا اعتدنا هذا الفعل، سنتورط عندما يُطلَب منا الإتيان بفكرة. كما سيؤدي نسب آراء الآخرين وأفكارهم لأنفسنا إلى الكسل الذهني، لنصبح شتات شخصيات مُقتبَسة من هنا وهناك، بدل بناء شخصيتنا الفكرية المستقلة والأصيلة. 🧟♂️🫳🏻
أما السماح بتبنّي الآخرين لأفكارنا ففيه تهذيبٌ للنفس بالتخلّي عما من شأنه دفعها إلى التباهي والعُجب، كما يدفع إلى تقوية النفس وتذكيرها بمقدرتها على الابتكار. فالعقل الذي أتى برأي أو فكرة كهذه، لا يعجز عن الإتيان بما هو أفضل. 🌾 🌟
🧶 إعداد
شهد راشد
لمحات من الويب
«لا أعرف لماذا أصنع ألعاب الفيديو التي أصنعها، كل ما أعرف أني أستمتع بصنعها، وهذا هو الدافع الذي يحفّزني.» شيقيرو مياموتو
«ذ فيرج» تجرِّب نظارة متا الجديدة «أورايون» برفقة مارك زوكربيرق.
في الثمانين من عمرك تكون قد أنهيت تدريبك، وتبدأ بممارسة فنَّك.
خلوني في قيلولتي.
قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀
لماذا أعدنا إحياء معايير جمالية متعِبة تهدد راحة واحدة من أساسيات الحياة مثل النوم في عصرنا هذا؟ 🪞
«كل عام تحضر لي هذه الصورة، وكل عام أحكم عليها أنها سيئة، فلماذا لا تزال متشبثًا بها إلى هذا الحد؟» 🏔️
نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj