لم أعد أبحث عن كتب كئيبة في معرض الكتاب 🌚 [فقرة مغلقة]

لم أدرك مدى تأثير قراءة الكتب في تفكيري وحياتي اليومية؛ كنتُ أستمتع بذكاء النصوص وطعمها الأدبي الجديد.

إذا كنت صانع محتوى في فيسبوك، أو حتى مجرد مستخدم عادي في فيسبوك، لا تتفاخر بقيمة منشوراتك! 😟

هذا ليس رأينا على الإطلاق، بل رأي مارك زوكربيرق «الدبلوماسي» حين سئل عن مسؤولية الشركة أخلاقيًّا في دفع تعويض لأصحاب المحتوى في فيسبوك، مقابل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي عليها، إذ قال «أتفهَّم سؤالك، لكن صناع المحتوى في فيسبوك، أفرادً وناشرين، يميلون إلى المبالغة في تقييم جودة محتواهم.» 🫠


كتب كئيبة / Imran Creative
كتب كئيبة / Imran Creative

لم أعد أبحث عن كتب كئيبة في معرض الكتاب

شهد راشد

قبل عدة أعوام ذهبت إلى معرض الرياض للكتاب، وللمرة الأولى وأظنها الأخيرة، حملت معي قائمة عناوين كتب أريد اقتناءها، ذهبت إلى إحدى دور النشر أسأل عن الكتب، فلاحظ البائع تبعثر العناوين وعشوائيتها وطلب مني الاطلاع على القائمة. 

بعد نظرة سريعة رفع رأسه وقال بنبرة مستنكرة: «أنتِ لسّه صغيرة ليش تقرئين كتب سيوران!» فأجبته أنني أستمتع بكتاباته. احتفظ بائع الكتب بملامحه المستغربة، ودلّني على الدور التي تحمل عناويني. لحظتها لكزتني امرأة وسألتني: «كيف تقرئين سيوران؟ ألا تشعرين بالاكتئاب لدى قراءته؟ فقد حاولت عدة مرات ولكنني لم أستطع إكمال القراءة!»

بدأتُ قراءة مؤلفات إميل سيوران في نهايات الثانوية وبدايات الجامعة، أولها «المياه كلها بلون الغرق»، ثم قرأت «اللاطمأنينة» لفرناندو بيسوا، وروايات ميلان كونديرا، وهكذا تتابعت قراءاتي في عالم السوداوية، دون معرفة لمدارس الأدب والفلسفة، أو أجندة المؤلفين، أو حتى إدراك حقيقي وواعٍ للمحتوى الذي كنت أستهلك. فلنواجه الحقيقة، حينها لم أكن قد بلغت العمر الذي يكتمل به فصّي الجبهي المسؤول بشكل كبير عن التحكم بطريقة تفكيرنا وكيفية تذكُّرنا الأشياء وحلّنا المشكلات وحكمنا على ما يجري في العالم حولنا.  

مع هذه القراءات، وجدتني شيئًا فشيئًا أدخل إلى عالم مظلم، ولم تعد الأشياء التي أحب تحمل شعورها الذي عرفت. فقدتُ حماستي تجاه الكثير، ولكن محبتي للحياة جعلتني أتجاهل ما أشعر به وأدفع نفسي للعيش كما أرغب. في الفترة الزمنية نفسها بدأ يتطور ذوقي الموسيقي، وأظنه كان عاملًا مساعدًا، وحاجزًا حماني من الوقوع الكلي في حفرة الظلمة التي كان يجرني إليها مؤلفون لا أعرفهم ولا يتحدثون لغتي ولا يهمهم وجودي. 

في تلك الفترة لم أدرك مدى تأثير قراءاتي في تفكيري وحياتي اليومية؛ كنتُ أستمتع بذكاء النصوص وطعمها الأدبي الجديد، وأجد فيها عزاءً ورِفقة، فلا أحد يترجم شعوري مثلما يفعل الأدب. ولكنني الآن لا أعرف إن كان شعورًا أصيلًا، أم أن الكتب التي كانت عزائي في ضيقي هي نفسها من ولَّده! 

بعد بضع سنوات تضاءلت قراءاتي الكئيبة وتناثرت. وللمصادفة البحتة عدت مجددًا إلى معرض الكتاب، وعند أحد الدور وجدت نسخة أخيرة لكتاب لم يكن في أفق اهتمامي بعنوان «أساتذة اليأس» يتناول النزعة العدمية في الأدب الأوربي. بدأت قراءة الكتاب، ورغم أنني لم أعرف بعض المؤلفين، فبينهم فلاسفة لم أكن مهتمة بقراءتهم، إلا أنني صادفت بعض من أعرف. وبدأت المؤلفة نانسي هيوستن تنقد نصوصًا أحببتها وتهدمها. 

تقول هيوستن في إحدى الصفحات «قد يدهشنا أن هؤلاء الذين تستحوذ عليهم فكرة الموت هم دائمًا شباب من عائلات محترمة، ينعمون بالدفء وطيّب الطعام، آمنين في أحضان عائلاتهم الميسورة، في حين أن الذين يواجهون الموت كأفق حقيقي وليس متخيلًا في حالات الحروب أو المجاعة نادرًا ما يصفون نهاية الذات بالغنائية ذاتها.» في كل صفحة، توضّح لنا هيوستن تمسُّك هذا الأديب أو ذاك بفلسفته واعتقاده، وكيف أنه لا يعيش وفقًا لهذه الاعتقادات.

عن نفسي، أحاول الفصل بين المؤلف وما يكتب، فلا أعتقد أن على الكاتب كتابة ما يعكس حياته أو مبادئه أو اعتقاداته، فالحرية الأدبية مكفولة «نسبيًا» في عالمي. لكن نانسي هيوستن أدارت المرآة لترينا حياة أكثر الكتاب سوداوية، الذين يقولون باختصار أن الحياة لا تستحق أن تُعاش وأن الوجود جريمة، حتى إن بعضهم يُشجّع على إنهاء الفرد حياته، لنرى أنهم عاشوا حياة طويلة ومُنعّمة وهادئة. لديهم من يقوم على خدمتهم دون مقابل في حالات كثيرة، ويحصدون المِنح والجوائز، حتى لو لم يكونوا بالضرورة سعداء أو أثرياء.

في أثناء قراءتي للكتاب كنت أضع الخطوط تحت السطور وأرسم الأقواس وأكتب ردودًا على العبارات، وأخوض حوارًا جادًا مع من ساهموا بتشكيل تفكيري ونظرتي إلى العالم. وبعدما انتهيت منه، شعرت أن غشاوة أُزيحَت عن عيني، وأدركت عمق تأثير القراءة في عمر صغير على تشكيلنا دون وعي. لهذا لم أعد أوصي بكتب تقول للناس أن حياتهم بلا معنى، والأجدى بهم الانطواء في كآبة. وما عدت أنا أقرؤها ولا أبحث عنها.


شبَّاك منوِّر 🖼️

فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀

  • نيويورك تايمز نجحت في ربط ختم «الأكثر مبيعًا» بـ«الخيار الأجود»، وهذا ربطٌ لا دليلَ على صحته. 📚

  • نحن أجيال تريد أن تنهي كل شيء بسرعة؛ لأننا نرى أن هناك دائمًا شيئًا آخر يسترعي الانتباه. لا نرغب حقًا بتخصيص وقت متكامل لفهم النص بعمق. 👨🏻‍⚖️

نشرة أها!
نشرة أها!
يومي منثمانيةثمانية

نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj