محمد كردفاني: أول مخرج سوداني في مهرجان كان

حاورنا محمد كردفاني، مخرج ومؤلف «وداعًا جوليا»، لمعرفة المزيد عن تجربته الروائية الأولى، وعن شعوره بوصول فلمه الأول إلى «كان».

للمرة الأولى في تاريخ السودان السينمائي تشارك في مهرجان «كان»، من خلال الفلم الروائي الطويل «وداعًا جوليا»، للمخرج السوداني الشاب محمد كردفاني. إذ شارك الفلم ضمن مسابقة «نظرة ما» التي تعدّ من أهم مسابقات المهرجان، وكذلك مسابقة «جائزة الكاميرا الذهبية». وكان الفلم السوداني قبل ختام مهرجان «كان» فاز بجائزة الحرية في مسابقة «نظرة ما».

تدور أحداث الفلم في الخرطوم قبيل انفصال الجنوب حول مطربة سودانية تُدعى «منى» من شمال السودان، متزوجة من رجل غني يُدعى «أكرم» تسبَّب في مقتل رجل جنوبي. توظِّف منى امرأة تُدعى «جوليا» خادمةً في منزلها، وتساعدها سعيًا إلى التطهر من الإحساس بالذنب. الفلم من بطولة الممثلة والمغنية إيمان يوسف والممثل نزار جمعة والممثلة وعارضة الأزياء سيران رياك.

حاورنا محمد كردفاني، مخرج ومؤلف «وداعًا جوليا»، لمعرفة المزيد عن تجربته الروائية الأولى، وعن شعوره بوصول فلمه الأول إلى «كان»، بوصفه أول فلم في تاريخ السودان السينمائي يحقق هذا الإنجاز، وللحصول على تفاصيل أكثر عن الفلم والإعداد له.

الفلم جاء في ظرف سياسي حساس، حدّثنا عن منطلقاتك في عمل هذا الفلم

الفلم هو نظرة على الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى انفصال جنوب السودان. وفي رأيي أن الأسباب الاجتماعية أهم من الأسباب السياسية في الانفصال، نظرًا لما عاناه أهل الجنوب من تمييز وتفرقة وطبقية لعقود طويلة، وهنا نستحضر أن الجنوبيين بدؤوا حلم الاستقلال عام 1955 قبل استقلال السودان الكبير عن مصر.

البعض يرى أن الفلم فكرة سياسية رومانسية، وهي الجمع بين الشمال والجنوب.. فهل ترى أنك وقعت في فخ الرومانسية المبالغ بها؟

الفلم صرخة لمحاولة مقاومة التمييز داخل الشعب السوداني، ولم يكن المقصود منه جمع الشمال بالجنوب، على رغم أن ذلك ليس مستحيلًا؛ فقد حدث الأمر في عدة دول أخرى، والهدف هو إطلاق صفارة إنذار لما قد يحدث في السودان إذا استمرت النزاعات العرقية والقبلية وعدم تطبيق العدالة، ولا بد من إيجاد هوية جديدة لجمع الشعب السوداني لا تتعصب للعرق أو الانتماء المذهبي أو القبلي، بل تفخر بالقيم الإنسانية، مثل الشعارات التي ناشدت بها الثورة، كالحرية والعدالة والسلام، فأنت لا تستطيع التحدث عن العدالة في ظل وجود تمييز مجتمعي، ولا أقصد هنا عدالة القانون فقط، بل عدالة تعامُلِنا كأفراد فيما بيننا.

الفلم تجربة ناضجة على رغم أنها مغامرتك السينمائية الأولى، ما المدة التي استغرقتها كتابة السيناريو الطويل؟

استغرقتُ فترة طويلة في الكتابة، فهو تجربتي الروائية الطويلة الأولى، وبدأتْ فكرته عندما قرأتُ عن نتيجة الانفصال بين الشمال والجنوب السودان، وفي ذلك الوقت لم أكن صانع أفلام.

أنا في الأصل متخصص في هندسة الطيران. وكان لدي شغف الكتابة، واقتصرت تجاربي على كتابة القصص القصيرة والخواطر. أما الكتابة الفعلية فبدأت منذ عام 2018، حينما كتبت ملخص الفلم وعرضته على المنتج والمخرج أمجد أبو العلا قبل أن يبدأ تصوير فلمه «ستموت في العشرين»، وقد «تحمس» بشدة للعمل وطلب أن أستمر في الكتابة، على أن يكون هو منتج العمل. وبالفعل كتبت 10 مسودات للفلم باللغتين العربية والإنقليزية، وكان ذلك لأن الجهات التي تدعم هذه الأفلام بعضها عربية وبعضها أجنبية، فأردت أن يتاح تسهيل الوصول إليهم للحصول على التمويل. ومع ذلك فإن تعديل أي مشهد يغدو أسهل عندما يكون النص أمامك بلغة واحدة.

موضوع الفلم إنساني بحت وعن تأثيرات عديدة تعصف بمجتمعاتنا أهمها فيما يخص التواصل بيننا.

مشكلة التواصل عالمية، وليست خاصة بالسودان فقط، ولا أعلم أسببها التطور والتقنية أم ماذا؟ لكننا فقدنا الاتصال المباشر ببعضنا وأصبحنا نتواصل بطريقة غير مباشرة. وعند كتابتي الفلم استلهمتُ طريقة الكتابة من مبدأ «الاعتراف» الكاثوليكي، لذا كانت هناك مشاهد للاعتراف بالأخطاء وكشفها دون تجميل. والمصارحة تحدث من الشخص نفسه عندما يدرك وجود الخطأ ويعترف به ويحاول إصلاح نفسه أو الآخر، ومِن ثم يحاول عدم تكرار ذلك الخطأ. والمصارحة تلك نحاول اقتراحها على الجمهور كأننا نخاطب وجدان الشعوب.

استخدمتُ مبدأ «الاعتراف» مع نفسي أولًا، واكتشفت أن لديّ بعض الميول إلى التمييز الجندري والعنصرية الموروثة التي لم ألاحظها إلا في سن متأخرة نتيجة بيئتي ومجتمعي، والفلم يخاطب تلك الحالة.

الفلم مستلهم من حياتي الشخصية، حتى الأفكار والشخوص قابلتها بشكل أو آخر، واستفدت على المستوى الشخصي من فكرة المكاشفة هذه. ورحلة تطهير الذات فكرة استفدت منها شخصيًا.

هل كان لديك تصور لمستقبل الفلم في أثناء التحضيرات والتصوير؟

قبل التصوير لم يكن لديّ أي شعور تجاه الفلم، هل سينجح أم لا؟ وهل سيخرج كما أريد أم لا؟ لكن قبل يومين أو ثلاثة من التصوير شعرت بثقة؛ نظرًا لحالة النضج التي وصل إليها فريق العمل، وبخاصة بعد دعم الفنانة المصرية سلوى محمد علي فريق العمل وزيارتها الممثلين، التي عززت طاقاتهم الإبداعية. ومع تجربة الديكور والإضاءة والتصوير صرت أتخيل أن كل شيء يمكن إنجازه وتصويره. وكنت خائفًا فقط من المشكلات اللوجستية والسياسية؛ لأننا صورنا في ظروف صعبة جدًا والمظاهرات في الشوارع، لم تكن هناك حرب، ولكننا شهدنا حالة من عدم الاستقرار.

ما مستقبل الفلم بعد مشاركته في مهرجان «كان»؟

 كانت لدي خطة لعرض الفلم في شكل بسيط جدًا في سينمات سودانية أُهملت، في محاولة لإحياء السينمات في مدن مختلفة من السودان، لكنّ ظروف الحرب حالت دون ذلك. لكن مع آخر طلقة في الحرب سأذهب للخرطوم لعرضه.

في السنوات الأخيرة تطورت السينما السودانية، وبرزت أعمال مثل «ستموت في العشرين» «حديث الأشجار»، برأيك، ما السبب الرئيس لذلك التطور الكبير في السينما السودانية؟

لا أعلم السبب الرئيس بالضبط أهو صدفة أم سبب آخر، لكن من الممكن أن تكون الثورة والديمقراطية التي جدّت في مجتمعنا أمرًا مهّد لوفرة في صناعة الأفلام.

وتوجد نقطة مهمة أخرى هي أنّ صناع الأفلام السوادنيين يتعاونون بشكل كبير فيما بينهم، على رغم قلّتهم، فعددنا الآن 10 تقريبًا، ولكننا نشجع بعضنا بعضًا، ونتعاون في العمل على أفلامنا، وذلك يضيف إلى كل مشروع، وأتمنى أن نظل على ذلك الوفاق.

أذكر أن بعض الفنيين السعوديين عملوا في فلم «وداعًا جوليا».. بمَ كان إسهامهم بالضبط؟

عمل معنا في الفلم 4 شبّان وفتاة بالتعاون مع هيئة الأفلام السعودية، وللحق كانوا موهوبين جدًّا، وجرى توزيعهم على أقسام الفلم. فكان معنا متدرب في كل قسم من أقسام الإخراج والكاميرا والأزياء والمكياج والإنتاج. وتدربوا معنا مدة 3 أسابيع، وهي تقريبًا نصف مدة تصوير الفلم. وكانوا سعداء بالتجربة، وشكل الإنتاج فاق توقعاتهم.

هل لديك مشروعات أخرى بعد «وداعًا جوليا»؟

كانت عندي مشروعات أخرى في السودان، لكن جميعها توقفت بسبب ظروف الحرب. وسأفكر بعد الانتهاء من المهرجان كيف سأعمل على مشروعات أخرى خارج السودان.

الأفلامالسودانالسينماحوارات
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
منثمانيةثمانية

نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jjcinema