كوثر بن هنية: المتاجرة بالقضايا المحلية لا توصلك إلى «كان»

حاورنا كوثر بن هنية لمعرفة مزيد عن تجربتها السينمائية الأخيرة وتفاصيل مشاركتها في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» بالدورة الأخيرة. 

ما معنى وجود فلم عربي في مهرجان «كان» أو أي مهرجان سينمائي عالمي؟ هل هو دلالة وختم على موهبتك وجدارتك كمخرج وصانع فلم؟ أو هو تعاطف من الغرب تجاه دول العالم الثالث وقضاياها؟

الموضوع يطول نقاشه؛ لأن الأفلام العربية التي تشارك في المهرجانات السينمائية الدولية طالما اتهمت بأنها ليست سوى استعراض مشكلات وأزمات ومتاجرة بالقضايا، و يصف الناقد السينمائي هوفيك حبشيان هذه التجارب السينمائية بأنها أشبه بـ«وحوش للسيرك».

آخر هذه المشاركات العربية في مهرجان «كان» السينمائي ومسابقته الرسمية فلم «بنات ألفة» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، وسيشارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي نهاية هذا العام.

يحكي الفلم قصة حقيقية بطريقة سينمائية تجمع بين الوثائقي والدراما عن «ألفة»، وهي سيدة أربعينية بسيطة لديها أربع بنات، ويسلط الضوء على ما بين عامي 2010 و 2020 بما يحمله من صراعات سياسية واجتماعية ودينية. وتتصاعد الأزمة بسقوط الفتيات الأربع في مستنقع الإرهاب والتطرف وهربهن إلى ليبيا حيث انضممن إلى تنظيم «داعش» الإرهابي وانتهى بهن المطاف في السجن. 

كوثر بن هنية من أهم الأسماء السينمائية العربية في العقد الأخير، وكان لها حضورها اللافت في المهرجانات السينمائية العالمية بداية من فلمها «على كف عفريت» الذي شارك في قسم «نظرة ما» في مهرجان «كان» (2017). ثم فلمها الرائع «الرجل الذي باع ظهره» (2021) الذي شارك في مهرجان فينيسيا وترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فلم أجنبي. 

حاورنا كوثر بن هنية لمعرفة مزيد عن تجربتها السينمائية الأخيرة وتفاصيل مشاركتها في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» بالدورة الأخيرة. 

الفلم امتداد لبعض تجاربك السابقة التي تحارب التطرف، لكنه تجربة أولى في الدمج بين الروائي والوثائقي.. كيف استوحيت الفكرة؟

بدأت فكرة العمل على الفلم منذ عام 2016، عندما استمعت إلى حوار مع الشخصية الحقيقية «ألفة» عبر الراديو، وكانت تروي حكاية بناتها اللاتي انضممن إلى الجماعات الإرهابية. كنت في ذلك الوقت قد انتهيت من تجربة فلم وثائقي بعنوان «زينب تكره الثلج» ورغبت في تكرار تجربة الأفلام الوثائقية مرة أخرى، وعندما سمعت حكاية «ألفة» وطريقتها في السرد تواصلت معها وأخبرتها أنني أريد إجراء لقاء معها.

عند تواصلي مع «ألفة» في البداية ظنّتني في البداية صحافية، بخاصة أنني لم أكن أدري في ذلك الوقت بالضبط ما الذي أريده من قصتها ولا كنت أعلم كيف هو شكل الفلم بالضبط. وقد صورت معها، لكن التصوير لم ينل إعجابي الكامل، إذ كنت أرغب في تقديمها بطريقة أعمق. حيث إن القصة أمست من الماضي، وما يشغلني هو كيفية استغلالها في الحاضر. ومن هنا جاءت فكرة استخدام أدوات السينما كالممثلين، فبعض الأفلام الوثائقية تُعيد تجسيد بعض الأحداث، وهذه الطريقة تعدّ في نظري «كليشيهًا»، لكنني قلت: لماذا لا أصنع من ذلك فكرة مختلفة؟ فحاولت، وواتتني فكرة الاستعانة بممثلين لتجسيد شخصيات حقيقية لا تزال موجودة وتشارك في الفلم، وبتلك الطريقة أضحى بإمكاني استعادة الماضي في أحداث مصنوعة سينمائيًا، وأجرينا من مساءلة لذلك الماضي، وأحببت فكرة إعادة تجسيدها الماضي في الفلم، وهذا ما صنع برأيي حدودًا بين الوثائقي والروائي في الفلم.

كان وجود النجمة هند صبري في الفلم لافتًا، وكان لافتًا أكثر أنها ليست البطلة؟

أحب التعاون مع هند صبري، وقد تعاونّا من قبل، وقلت لها: لا بد أن تُمنحي ي ثقتك للشخصية 100%، وهند فنانة ذكية وخرجت بذكاء من «منطقة الراحة» الخاصة بها كممثلة من خلال هذا الفلم.

لم يكن التمثيل في الفلم عملية سهلة في ظل وجود الشخصية الحقيقية. وكانت هند تسألني دومًا طوال التصوير باستغراب وقلق: «كوثر ما هذا الفلم اللي نعمله؟!».

الفلم يحكي حادثة مأساوية بانضمام الفتاتين إلى الإرهاب.. كيف وضعتِ الحدث بشكل درامي في الفلم مع أنه حساس للغاية لـ«ألفة» كأم؟

العملية مؤلمة، لكن الإرهاب في حد ذاته لم يكن موضوع الفلم الرئيس، بل كان نتيجة. وما يهمني كمخرجة هو البحث في الأسباب، والملاحظ أن الفلم كله يبدو كعلاج وعودة للبحث عن الأسباب الخفية لهرب الفتيات وانضمامهن إلى الإرهاب، وبحثنا عن ذلك في علاقتهن بأهلهن وأجسادهن ووجودهن في الحياة وفي فقرهن، وغير ذلك من العوامل.

يرى البعض أن طرح مثل تلك القضايا في أفلام تشارك في مهرجانات عالمية نوع من المتاجرة بقضايانا لدى المهرجانات العالمية؟

كثيرًا ما يأتيني هذا التساؤل، وبالفعل، كثير من صناع الأفلام يحاولون اللعب على هذا الوتر، لكن القائمين على المهرجانات ليسوا بهذا الغباء!

لو كنت أتاجر بقضية لما وصلت إلى المسابقة الرسمية في مهرجان «كان». المهرجان يحب السينما ويحتفي بالمؤلفين والمخرجين، ولن يختار فلمًا للمتاجرة.

ثورة الياسمين في 2011 لا تزال حاضرة بشكل أو بآخر في السينما التونسية.. أليس من المفترض تجاوزها سينمائيًا؟

هي حدث كبير في تاريخ تونس، والثورات لا تحدث دائمًا في تاريخ الشعوب، وذلك ما يجعلها حدثًا مهمًا.

في قصة «ألفة» علاقة مباشرة بتاريخ تونس الحديث، فبالتزامن مع ثورة تونس أحدثت «ألفة» ثورة في عائلتها وانقلبت حياتها، وتوجد علاقة وطيدة بين السياسي والاجتماعي والحميمي في تلك القصة.

الأسلوب السينمائي في الفلم كسر الحاجز بين المخرجة والجمهور، وبين البطلة «ألفة» والكاميرا.. وعلى رغم أنها ليست ممثلة كان الثناء كبيرًا عليها. 

الفلم نتيجة عمل دائب منذ عام 2016، وعملنا مع «ألفة» شهورًا. وبذلنا مجهودًا ولم نستعجل الأمور. فأنا أحب إعطاء كل شيء وقته وأفكر جيدًا في كيفية خروج العمل للجمهور، وأطرح على نفسي كل الأسئلة الممكنة لإخراج العمل في أحسن شكل أراه وأشعر به. كما أنني حاولت في الفلم بناء «الحائط الرابع»، وهو العلاقة بين الكاميرا والممثلين، وحاولت إيجاد علاقة وطيدة بين المشاهدين والشخصيات حتى ينظروا في عيون الممثلين، فالنظرة في العين هي مرآة الروح، وقد كسبت رهان الحائط الرابع ودعوة المشاهدين ليكونوا أكثر قربًا للشخصيات.

ختامًا، أذكر أن الفنانة التونسية هند صبري ذكرت في لقاء لها في أثناء مهرجان «كان» أن أجمل أفلام كوثر بن هنية هي الوثائقية، وهذا ما شجعها على خوض هذه التجربة معك في هذا الفلم، وفعلًا، لعل أجمل ما في الفلم هو الدمج بين الوثائقي والدرامي في خليط مميز بين واقع وخيال يجعل فلم «بنات ألفة» تجربة سينمائية فريدة تستحق المشاهدة. 

الأفلامالسينماحوارات
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
منثمانيةثمانية

نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jjcinema