إشكالية المساواة في كرة القدم للسيدات
كرة القدم نشاط ترفيهي يقدم للجماهير بغرض المتعة، وبوجود هذه المتعة تتحول كرة القدم إلى صناعة، حيث تتدفق الملايين من عوائد البث.
أحب كرة القدم ولا مانع لدي في مشاهدة مبارياتها طوال اليوم، ولا يهمني كانت هذه المباراة نهائيَّ دوري أبطال أوربا أم مباراة تحديد الهابط في دوري جزر الفارو، كل ما يهمني أن تكون المباراة ممتعة.
تتعدد أشكال المتعة في كرة القدم. هناك متعة في تطبيق الأفكار التكتيكية ومتعة تنتج عن الندية بين فريقين رغم تواضع المستوى، وكذلك متعة اللحظات الأخيرة والسيناريوهات الميلودرامية. لذا فإن كل مباراة كرة قدم هي فرصة كبيرة لتلقي المتعة ما دمتَ مُحِبًا للُعبة، وعلى رغم كل ذلك فأنا قلما استمتعت بمشاهدة مباراة كرة قدم للسيدات.
قبل أن تتهمني بمعاداة النساء دعني أؤكد لك أن الأمر غير شخصي بالمرة، والدليل أن مباراة نهائي كأس العالم للسيدات التي أقيمت منذ أيام لم تحظ بزخم منطقي يناسب الحدث. لكن بمجرد انتهاء المباراة عجَّ «إكس» بانتقادات وجهت إلى رئيس الاتحاد الإسباني لاحتفاله بشكل غير لائق مع لاعبات إسبانيا عقب فوزهن بالكأس. لماذا لم يتحدث أحد عن تفاصيل المباراة ذاتها إذن؟ لأنها ببساطة لم تكن ممتعة على الإطلاق.
لست وحدي في ذلك بالمناسبة، فقد بلغ متوسط مشاهدي نهائي كأس العالم للسيدات لعام 2019 نحو 82 مليون مشاهد، على حين حقق نهائي كأس العالم للرجال 2022 مشاهدات تقترب من المليار ونصف. وللتوضيح، لم تصدر الفيفا بيانًا بأعداد مشاهدي نهائي النسخة الأخيرة من البطولة بعد، لكنها يقينًا زادت عن سابقتها، فقد أعلنت «بي بي سي» مثلًا عن ارتفاع المشاهدة إلى نحو 12 مليون.
مع ذلك، لا تقارن الأعداد بنسب مشاهدة نهائي كأس العالم للرجال، وأؤمن تمامًا بأن السبب الحقيقي وراء ذلك لا علاقة له بالذكورية، بل لأن كرة القدم النسائية لا تشبه كرة القدم التي نعرفها ونحبها.
ففي الواقع، تلعب الاختلافات البيولوجية دورًا رئيسًا في شكل كرة القدم التي تقدمها السيدات، وثمة أمور مثل القوة البدنية والسرعة أصبحت مكونات رئيسة في كرة القدم. لذا لا يمكن للمشاهد أن يقنع بمباراة ذات إيقاع بطيء أو يفرح لأهداف ينتج معظمها عن أخطاء دفاعية وحارسات مرمى لا يقفزن جيدًا لمجرد أنها كرة قدم تلعبها السيدات.
قد يكون هذا ما دفع المدرب الإيطالي فابيو كابيلو إلى اقتراح إجراء بعض التعديلات، مثل تصغير حجم الملعب وحجم المرمى نفسه ليناسب كرة القدم النسائية. أرى هذا الاقتراح مثاليًا؛ فهو سيزيد من متعة كرة القدم النسائية، كما يبعدها عن المقارنة بكرة قدم الرجال. لكن هل هذا ما تريده النساء؟ لا أعتقد ذلك.
فهذا الاقتراح لم يلقَ استحسان مجتمع كرة القدم للسيدات، حيث علقت سيوبهان تشامبرلين حارسة مرمى إنقلترا السابقة على الأمر بأنه مثير للسخرية، فَكُرة القدم يجب أن تترك كما هي؛ لأننا إذا بدأنا تغيير شيء فربما يجرنا ذلك إلى تغيير شكل اللعبة. النساء لهن أقدام أصغر أيضًا، فهل نغير حجم الكرة؟ أنا شخصيًا لا أجد أي مشكلة في تغيير حجم الكرة إذا كان سيؤدي إلى مباراة ممتعة!
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أصوات تطالب بدفع أجور للاعبات كرة القدم مماثلة لما يتقاضاه الرجال، وأهم هذه الأصوات اللاعبة الأمريكية ميقان رابينو التي تؤكد أن تلقيها مبالغ أقل من الرجال نوع من عدم الاحترام والتمييز.
فِكْرَة مساواة الرواتب تلك تجعل الأمر جنونيًا؛ فَكُرَة القدم نشاط ترفيهي يقدَّم للجماهير بغرض المتعة، وبوجود هذه المتعة تتحول كرة القدم إلى صناعة، حيث تتدفق الملايين من عوائد البث والرعاة وتذاكر المباريات؛ لذا فالمتعة هي ركيزة هذه الرياضة التي تحولت مع الوقت إلى صناعة مليارية. وإذا أرادت النساء الحصول على أجور مماثلة فيجب أن تجذب مبارياتهن الملايين وأن يقدمن المتعة التي قد تتحقق في ملعب أصغر ومرمى أقصر وكرة قدم أصغر حجمًا. هذا ليس تمييزًا بل هو المنطق.
لست ضد المساواة على الإطلاق، بل إنني أغادر منزلي مرتين في الأسبوع لاصطحاب ابنتيّ لممارسة الرياضة، وأترك لهما كامل الحرية في اختيار نوع الرياضة التي تحبانها. وإذا قررت إحداهما ممارسة كرة القدم فإني أقف على حافة الملعب ساعة ونصفًا لأقدم لها الدعم المناسب. لكن إذا عدنا إلى المنزل ووجدت مباراة كرة قدم نسائية أمامي فسأغيّر القناة على الفور؛ لأنه ليس من المساواة أن أشاهد كرة القدم بحثًا عن متعة معتادة فلا أجدها.
نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj