«عمرة البدل» والضرر في صناعة المحتوى الديني

«صناعة المحتوى الديني» يليق به شخص يقدم نصائح دينية بسيطة وواضحة لا الخوض في قضايا تحمل آراء فقهية مختلفة أو إعلان عن تطبيقات جدلية.

أنتمي إلى هؤلاء الذين يوقِّرون علماء الدين ويحفظون لهم الهيبة اللازمة. وأثبتت لي عدد من المواقف أن الحفاظ على هذه الهيبة مصدره العلماء أنفسهم بالأسلوب اللائق وانتقاء القضايا التي تهم الناس حقًا للحديث عنها؛ لذا أتحفظ كثيرًا إزاء التعامل مع الدين على أنه محتوى مناسب لمقاطع الفيسبوك وإنستقرام.

هذا ما حدث قبل أيام عندما ظهر أحد «الدعاة الشباب» ليعلن في مقطع فيديو عبر فيسبوك عن تطبيق جديد يسمى «عمرة البدل»، مع إضافة عنوان مميز للفيديو: «تخيل تعمل عمرة لأحبابك (متوفى -مريض – عاجز) بأقل من 4000 جنيه 😍».

يتيح التطبيق لمستخدميه توكيل شخص بالعمرة عن شخص متوفى أو مريض مقابل مبلغ من المال. ويقدم التطبيق تسعيرات مختلفة؛ فعمرة رمضان أغلى من العمرة العادية، أما العمرة المستعجلة – ولا أعرف وجه الاستعجال بالعمرة – طبعًا بسعر مختلف.

أداء العمرة عن شخص آخر ليس أبدًا بالأمر الغريب. فأنا وبعض أصدقائي لدينا مجموعة «دردشة» على تطبيق واتساب أعطيناها اسم «المهاجرون»، وهي الوسيلة الوحيدة التي أبقتني على علاقة لا تنقطع مع عدد من الأصدقاء الذين سافروا واستقروا في مختلف بلاد العالم. وما زلت أذكر جيدًا عندما أدى صديقي المقيم في السعودية عمرة عن والد صديق آخر عقب وفاته بأيام قليلة.

فعلها ذاك الصديق حبًّا لصديقه دون أن يرسل إليه فيديو ليثبت العمرة أو صورة في أثناء الدعاء للمتوفى. لكننا جميعًا كنا على يقين أنه دعا من قلبه للمتوفى؛ لأن الرابط بينهما موجود على رغم أنهما لم يلتقيا قط.

كل هذا جعلني أشعر مثل كثيرين ممن شاهدوا فيديو «عمرة البدل» أن الأمر تجاري بحت ولا علاقة له بالدين. ولأن الشعور الشخصي بالأمور المتعلقة بالدين غير كافٍ، هاتفت «دار الإفتاء المصرية»، وشرحت للشيخ الجليل فكرة التطبيق، وكان الرد واضحًا: «هذه تجارة بالدين، يجوز أن تطلب من شخص تعرفه العمرة عن قريبك المتوفى فيخبرك بأن هناك بعض الأموال الخاصة بالتنقل أو التصاريح، وهنا تدفع عنه هذه الأموال، لكن أن تتقاول مع شخص لا تعرفه للعمرة وتحديد سعر مسبق فهذا غير جائز».

انتهيت من الأمر بعد هذه المكالمة، لكن الحدث نفسه لم ينته على فيسبوك و«إكس» لأيام. فقد تحولت الانتقادات إلى سخرية شديدة طاولت المناسك الدينية نفسها، وظهرت منشورات مثل «إذا لم يردوا لك باقي المبلغ خدلك بيه ركعتين في المدينة» و«فرصة عظيمة نخلي حد يعمل عمرة يدعي على مدرب الأهلي يمكن يخسر أي بطولة»، وأرى هذه التعليقات أشد خطرًا من الفيديو ذاته.

للمرة الألف وقعنا في فخ التعامل مع الدين على أنه محتوى «فيسبوكي» يخضع للسخرية والانتقاد الجارح والتشكيك. بل إن الجميع عقب الأزمة اكتشفوا أن صاحب الفيديو ليس من الدعاة، فالوصف الأقرب لما يعبر به عن نفسه في مختلف التطبيقات أنه «صانع محتوى ديني». 

وهنا مربط الفرس؛ فهذا الحقل الجديد «صناعة المحتوى الديني» يليق به شخص يقدم نصائح دينية بسيطة وواضحة لا الخوض في قضايا تحمل آراء فقهية مختلفة أو إعلان عن تطبيقات جدلية، وإلا سيكون الضرر أكبر من النفع. يكفي أن أحدهم علَّق على الفيديو الذي حذفه صاحبه بالفعل بأن «التقنية ضد الدين»! وهذا ضرر لو تعلمون عظيم.

التطبيقاتالدينالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
يومي منثمانيةثمانية

نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj