إنسان «الإكس»

بعد أن أصبحت أرباح منصة «إكس» أمرًا واقعًا انفجرت بالوعة ضخمة من المشاهير الذين لا يعرفهم أحد، كل همهم أن يحصلوا على كثير من التفاعل.

كان الناس في التاريخ البعيد يكسبون الأموال بطرائق عدة، منهم من كان يعمل ويكدح ساعات النهار وآناء الليل ليجد قوت يومه، ومنهم من رزقه الله موهبة في التجارة والبيع والشراء، ومنهم من كانت لديه حرفة أو صنعة لا يجيدها أكثر الناس، وآخرون كسبوا الأموال ورثًا من آبائهم الذين قضوا حياتهم يجمعون المال للوارثين، وهناك من يكسب المال لأنه لص أو قاطع طريق. وباستثناء الوارثين فإن كسب المال سواء بطرائق شريفة أم غير شريفة يحتاج إما إلى عمل أو جهد أو موهبة وعقل يفكِّر. 

وكانت هذه حال الناس مع الأموال قبل اختراع وسائل التواصل الاجتماعي، ثم أتى على الناس زمان لا يحتاج فيه المرء أكثر من أن يكون تافهًا لتمطر عليه سماء التواصل ذهبًا وفضة ودولارات، وظهرت إلى العلن فئة جديدة من الأثرياء لم يعرفها التاريخ من قبلُ يسمون «مشاهير» التواصل الاجتماعي. 

وهذا فتح جديد في عالم المال والاقتصاد والأرباح، فلا شيء يذهب هدرًا، ولا شيء عصيّ على إعادة التدوير، حتى التفاهة التي كان السابقون ينفرون منها ومن حاملها فرارهم من المجذوم أصبحت بضاعة يبيعها المتأخرون ويرتقون بها سلالم المجد. وإذا حضر المال أبطل كل ما سواه؛ إنه يعطي صاحبه الحق في أن يعلّم الناس كيف يعيشون وكيف يموتون. ويعطيه الحق في أن يُفتي في الدين والاقتصاد والسياسة والعلوم، وإن كان أجهل من حمار أبيه. علمًا أن الحمار لو أتيحت له الفرصة ليستخدم وسائل التواصل لأبدع وكان له شأن عظيم؛ فليس كثير من المشاهير بأكثر منه علمًا ولا خلقًا ولا منفعة. لكنها الدنيا، دار الجور والظلم، التي يعيش فيها مشاهير التواصل حياة مترفة، وتعيش فيها الحمير وكثير من الدواب حياة بائسة مع فضل علمها على كثير من المشاهير. 

ثم إن الناس ما كادوا يتأقلمون مع المشاهير الذين يخرجون بصورهم وأشكالهم -وهذه تُحسب لهم- حتى ابتلوا بطامة أكبر من سابقتها حين قرر الزميل «إيلون ماسك» أن يوزع أرباح إعلانات منصة «إكس» على المغردين، أو «المؤكسين» إن صحت التسمية التي أرجو أن يعتمدها مجمع اللغة العربية في القاهرة الذي يبدو أنه مغرم هذه الأيام باعتماد كل شيء بعد أن قرر مؤخرًا أن كلمة «ترند» عربية. 

Giphy 110
مشاركة الأرباح / Giphy

بعد أن أصبحت أرباح منصة «إكس» أمرًا واقعًا ملموسًا انفجرت بالوعة ضخمة من المشاهير الذين لا يعرفهم أحد، كل همهم أن يحصلوا على كثير من التفاعل حتى تزيد الأرباح، وإثارة الجدل والكذب وتأليف القصص المستفزة طريق مفروش بالكثير من التفاعل والتشائم، ونهايته رسالة من البنك تفيد بوصول الأرباح الناتجة من تلك الفوضى. 

ولا يجد كثير من «المؤكسين» حرجًا في الكذب والفجور بما أنه طريق نهايته القريبة أرباح مادية. وتكمن نقطة الخلاف بين الذين يكسبون الأموال من طريق السرقة أو قطع الطرق وسرقة قوافل العابرين وبين دجالي أرباح منصة «إكس» في أن قطاع الطرق يبذلون جهدًا بدنيًا وعقليًا وفي عملهم كثير من المخاطرة، في الوقت الذين لا يحتاج فيه المحتالون الجدد إلى بذل أي جهد عقلي أو بدني.

والخطير في التكسب من طريق إثارة الجدل أن الأمر أحيانًا يخرج عن المسار ويصل إلى أماكن لا رجعة منها، خاصة أن كثيرًا من رواد هذه المنصة ما زالوا في مرحلة لم يكتمل فيها نموهم العقلي بعد، وهذا يدفعهم إلى التعامي عن الخطوط الحمراء سواء المجتمعية أو الدينية أو غيرها، فالمهم الحصول على التفاعل بأي وسيلة. 

ولا أخفيكم أيها الناس أن الأمر يبدو مغريًا ومغنمًا سهلًا، لكن الأمر ليس كما يبدو عليه، وهو محل خلاف بين علماء «التفاهولوجيا»، فهناك رأي معتبر يقول إن أن التفاهة ليست أمرًا يسيرًا يستطيع أي أحد أن يمارسه ويتقنه، إنها أصعب مما تتوقعون بكثير. 

إسأل نفسك: هل تستطبع أن تكون تافهًا؟ وأن تمارس ما تراه في منصات التواصل بأريحية «وسعة وجه» كما يفعل كبار التافهين الرواد؟

كثيرون يجدون صعوبة حتى في تخيّل الأمر، وهذا دليل على وجاهة القول إن التفاهة ليست لأي أحد، وليس لأي إنسان أن يكون تافهًا متى أراد.

لا أعلم يقينًا كيف سيكون المستقبل، بخاصة أن مثل هذه الأشياء خارجة عن السيطرة، ويصعب تنظيمها لأنها عابرة للحدود والقارات، ولكني أتخيل أن التخلص من مشكلات مرحلة «إنسان الإكس» سيحدث حين تظهر مشكلة أسوأ منها، وحينها تصبح مشكلةً يمكن التعايش معها؛ فقد أصبح مشاهير «سناب شات»مرحلة جميلة من الحياة بعد ظهور مشاهير «التك توك»، وهذا ما أعتقد أن الأمور ستصير إليه. وكلما دخلت أمة لعنت أختها حتى يُنفخ في الصور.

لست مهمومًا ولا مهتمًا بالبحث عن حلول لمشكلات لم أصنعها، ما يشغل تفكيري حاليًا هو الرغبة في أن تجد هذه التدوينة رواجًا كبيرًا وأن يشتمني الناس بسببها شتمًا مبرحًا تزيد به الأرباح. 

إيلون ماسكالشهرةالمالتويترالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj