ڤوي: كوميديا مصرية فاخرة تكسر موجة الرداءة

تميَّز الفلم بمواقف درامية ممزوجة بالكوميديا، مع تجسيد شخصية البطل لجانب الشر على نحو يجعلك تقف في صفه وليس ضده.

منذ لحظة سماع راوي القصة بداية الفلم وهو يسرد، جاء ببالي أغنية «الرجل الذي باع العالم» «The man who sold the world». فأنت ستشهد خلال الفلم منظور شخصية تبدأ فصلًا في قصة حياتها تحت عنوان «البداية في الشر المطلق»، وهو مصطلح متعارف عليه في الإنقليزية بالـ«villain arc».

تجد هذا المصطلح متداولًا بين الناس في منصات التواصل الاجتماعي وتحديدًا تك توك، والمقصود به عندما يبدأ الشخص التحول من شخصية كانت تميل إلى الخير والحب والسلام متجهًا إلى العنف والكراهية؛ لأنه اكتشف أن ذلك يؤدي إلى نتائج أفضل. 

قبل رحلة الكذب، تدرَّب و«خلِّك كذاب صح»! 

بطلنا «حسن»، من تمثيل محمد فراج، رجل يعيش في ظروف قاسية وفقيرة للغاية، ويعمل كرجل أمن. ونبدأ نرى جزءًا من الكوميديا السوداء في مشهد افتتاحية الفلم الجريء، حيث يكون في الفراش مع امرأة كبيرة بالسن غير عربية، ويحاول خداعها لتقع في حبه، منتظرًا موتها في وقت قريب ليصبح غنيًا بإرثها. لذلك نرى من البداية أنَّ حسن «شخصية كذابة»، وما يجعل كذبها يبدو واقعيًّا للآخرين هو النص المكتوب والذي يصاحبه أداء تمثيلي ممتاز جدًا. 

لكنك تستطيع قراءة أفكار الشخصية أكثر عبر حواراته مع أصدقائه. صديقه «سعيد»، من تمثيل طه دسوقي، يعمل مندوب توصيل لدى أحد مطاعم اللحوم والكباب باستخدام الدراجة الهوائية. وأحد التوظيفات «العبقرية» في الكتابة كان استخدام عنصر الدراجة الهوائية وصاحب المطعم لاحقًا في الفلم لحل أهم عوائق القصة. 

هنا لا بد أن أتوقف وأقول إنَّ أحد جوانب العبقريَّة في كتابة النص اهتمامه بالشخصيات الجانبية. فمع «سعيد» يوضح النص ألم المشاعر والصدمة في موقف مدته لا تقل عن دقيقة، حيث جعلنا نتعاطف مع الشخصية التي أدَّاها طه في أداء تمثيلي فاخر على رغم أنها شخصية جانبية. ولا أنسى الشخصية الكوميدية «عمرو»، من تمثيل أمجد الحجار، الذي يجسد الكوميديا من خلال صناعة المواقف الهزلية المضحكة، وفي كل مرة يظهر فيها على الشاشة فاعلم أنك مُقبل على حوار مضحك. وذكرتني شخصية «عمرو» كثيرًا بشخصية «معن» في الفلم السعودي «شمس المعارف» من تمثيل إسماعيل الحسن.

مثلما ذكرت فإن شخصية بطلنا «حسن» تظهر في مشاهد توضح مدى قوة كتابة الشخصية، ومن ذلك المشهد الذي ظهرت فيه عربة «الكشري» عندما كان «سعيد» يحاول أن يرى الجانب الإيجابي بعبارة «الحمد لله بأن لدينا بيت أو سقف يغطينا». أما بطلنا فكانت لديه نظرة عكسية تمامًا ومقنعة، وربط التشبيه بالحيوانات، فكانت لحظة مضحكة وحزينة في الوقت نفسه بعبارة مُشابهة لهذه الجملة: «ماهي الحيوانات نفسها نفسك، إيه الفرق يعني». ومن هنا بدأت أشعر بأني مُقبل على شخصية جذابة تكشف جانبها غير الإنساني. 

نبتعد عن بطلنا قليلًا ونتوجه إلى الأطراف الاخرى مثل شخصية «كابتن عادل» من تمثيل بيومي فؤاد. وأعلم أن الممثل لديه عدد هائل من الأفلام التي شارك بها، لكن ذلك لم يمنع أن شخصيته وأداءه كانا جذابين، مع جانب محزن وسوداوي رائع في دوره. 

ثم ننتقل إلى الصحافية «أنجي» من تمثيل نيللي كريم، وهي الطرف الثالث، وتعد محركة للبطل وليس للقصة بكاملها، مما جعل ظهورها خفيفًا وليس له وزن ثقيل، وتركني أتساءل منذ بداية الفلم كيف سيتم ربط ثلاثة أطراف بحيث يلتقون في نقطة مشتركة في القصة؟ ثم أُعجبت بكيفية ربطهم سويًا في الحدث الأساسي. 

المعنى خلف «ڤوي ڤوي ڤوي» 

يرتبط الحدث الأساسي بفريق كرة قدم ذوي احتياجات خاصة، وهم مكفوفون، لذلك نجد «كابتن عادل» يتوجه إلى تدريب الفريق لأن لديهم فرصة للوصول إلى العالمية، مما يجعل الصحافية تتجه إلى تغطية الحدث. ويرى بطلنا أنها فرصة جيدة للهرب من مصر والعيش بالخارج، وتبدأ محاولاته اقتباس شخصية الأعمى، ويواجه العديد من العوائق المضحكة والصعبة التي لا أود «حرقها».

لكن ما يميز الأحداث أنها فعلًا مليئة بالتحديات ولحظات «تشد الأعصاب»، وخير مثال أول مشهد في المطار لدى الجوازات عند التأكد من هوية بطلنا «حسن»، والكثير من اللحظات التي تعد مفاجأة داخل مفاجأة، وهذا ما يميز الفلم الذي يحتوي على عناصر تفاجئك وتجعل القصة تستمر مثيرة وتجذب انتباهك إلى النهاية. 

ومن المعلومات التي جذبتني أن عبارة «ڤوي ڤوي ڤوي» تعني بالأسبانية «أنا قادم»، وتستخدم لدى لاعبي هذه الرياضة أو كما تسمى «كرة الجرس»، حيث يحاول اللاعب قطع هجمة لاعب آخر؛ فيقولها للابتعاد عن الاصطدام بلاعب، سواء أكان معه في الفريق أو ضده. 

تنفَّس الصعداء وصولًا للنهاية 

مع كثرة المفاجآت زادت سعادتي بالعمل، لكن رحلة النهاية عابتها بعض العناصر. الأول من الناحية الإخراجية، إذ كانت هنالك لقطة بين «كابتن عادل» و«حسن» وهما يتحدثان عن سر مهم وشخصية الصحفية «أنجي» القريبة منهما لا تسمع، فكانت أشبه باللقطة التي تخرجك من جو الفلم. العلاقة الرومنسية التي تكونت بين «حسن» و«أنجي» كانت في الحقيقة شيئًا لا يُذكر بل ينسى مع الوقت، وكانت من نوع الدراما الرخيصة. 

العيب الأهم لديّ أني تمنيت تخصيص وقت أطول على الشاشة لشخصية «أم حسن»، خصوصًا عندما أتساءل: كيف كانت بيئة عملها؟ ولو استعرض الفلم الموقف الذي حصل لها بالعمل وجعلها تبكي كان سيؤدي دورًا مهمًا. 

فلم «ڤوي ڤوي ڤوي» جريء جدًا في استعراض كوميديا سوداء بكتابة فاخرة، مع بعض العناصر المهمة المفقودة، مثل افتقادنا استعراضًا أطول لشخصية «أم حسن» في بيئة عملها، وضعف علاقة الصحافية «أنجي» مع «حسن». Click To Tweet

ولكن هذه مآخذ لا تؤثر على الصورة الكاملة. 

فقد تميَّز الفلم بمواقف درامية ممزوجة بالكوميديا، مع تجسيد شخصية البطل لجانب الشر على نحو يجعلك تقف في صفه وليس ضده، والسبب هو نظرته إلى الحياة بواقعية، أو مثلما يقولون «الواقع المرير»؛ وكان ذلك كافيًا لتؤيد الشخصية وتفهم مشاعرها. يُذكر أن الفلم يمثِّل مصر في الترشيحات الأولية لأوسكار أفضل فلم أجنبي، ولعله يندرج في قائمة أفضل أفلام هذا العام عالميًا ويتنافس على الجائزة.

ولمن يعشقون لغة الأرقام، تقييمي للفلم 8 من أصل 10 🍿😂

السينمامراجعات الأفلاممصر
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
منثمانيةثمانية

نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jjcinema