التسويق يلبس ثوب «الإنفلونسر المريض»
الإنترنت الذي يسمح للشركات بألف طريقة لتسويق منتجاتهم وملاحقتك بها أينما ذهبت، يقدم لك أيضًا عشرات الطرائق لتتيقن من حقيقة تلك المنتجات.
بمجرد أن يظهر أمامي مقطع فيديو لأحد مشاهير تك توك أو إنستقرام يحكي تجربته الشخصية في التخلص من مشكلة صحية شائعة مثل الوزن الزائد أو تساقط الشعر ومشكلات البشرة، أبحث فورًا داخل حسابه على الفيديو التالي، مراهنًا نفسي أنه حتمًا سيرشح لمتابعيه عددًا من الأدوية ومنتجات التجميل التي ساعدته على تجاوز هذه المحنة.
وقليلًا ما أخسر هذا الرهان، رهان «الإنفلونسر المريض».
من المؤكد أنك صادفت عشرات المؤثرين يقدمون نصائح طبية ويرشحون عشرات الأدوية ومنتجات التجميل. يثق المتابعون في هذه الترشيحات، ليس لأن المؤثر طبيب لا سمح الله، بل لأن مريضًا خاض التجربة ويقدم الآن لمتابعيه خلاصة تجربته بعد الشفاء عملًا بالمثل: «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب».
يشارك «المؤثر المريض» غالبًا قصصًا شخصية للغاية حول ظروفه الصحية؛ لذا يشعر متابعوه دومًا بأنه جدير بالثقة. لكن وفقًا للسيدة أمريتا بوميك مسؤولة العلاقات العامة بشركة التسويق «هيلث يونيون» فإن المؤثر يحصل على مقابل مادي يراوح بين مئات الدولارات وآلافها مقابل كل منشور يتعلق بمشاركة منتج طبي ما.
ربما تتهمني الآن بالمبالغة وسوء النية؛ فلا يعقل أن كل المؤثرين كاذبون، كما أنهم يقدمون نصائح تتسم بالطرح العلمي في كثير من الأحيان. حسنًا، هذا هو العنصر الخفي الذي يجعل حديث هؤلاء المؤثرين أقرب إلى التصديق، إنهم يسوقون لتلك المنتجات على طريقة «التسويق بالعلم الزائف».
«التسويق بالعلم الزائف» هو استغلال كلمات ذات إيحاء علمي لكسب ثقة الجمهور المستهدف دون وجود مرجعية علمية حقيقية لتلك الكلمات. مثلًا، ماذا لو رشح لك أحد المؤثرين منتجًا للعناية بالبشرة من خلال تأكيد أنه «يحتوي على فيتامين سي الذي يعزز نضارة البشرة كما يوصي به الأطباء». أنت غالبًا أصبحت الآن واثقًا من فاعلية هذا المنتج، لكن دعنا نحلل هذه الجملة الإعلانية معًا بشيء من التدقيق:
يحتوي على فيتامين سي: نحن لا نعلم كمية فيتامين سي داخل المنتج مقارنة ببقية المكونات. ماذا لو كانت نسبة فيتامين سي لا تتعدى 1% فقط، من المؤكد أنه سيكون عديم النفع.
«يعزز»: واحدة من تلك الكلمات المطاطة التي لا يمكن قياسها بشكل كمي، لكنها مفاتيح للتسويق الخادع؛ لأنه لا يمكنك أبدًا معرفة حجم التحسن الذي ستحصل عليه طبقًا لكلمات مثل «يعزز» و«يدعم» و«يحفز».
يوصي به الأطباء: مَنْ هؤلاء الأطباء الذين يوصون بالمنتج؟ وهل توصيتهم تلك تعني أنه لا يوجد طبيب واحد قد اعترض على المُنتَج!
يقول السيد تيموثي كولفيلد -مدير أبحاث قوانين الصحة في جامعة «ألبرتا»- أنَّ المُسوقين يستخدمون الكلمات العلمية الطنّانة منذ عقود، لكن هذا الاستغلال وصل ذروته في الوقت الحالي بفضل منصات التواصل الاجتماعي، تحديدًا بسبب مؤثري منصات التواصل. هنا تتضاعف الكارثة حيث ينخدع المتابع مرتين، الأولى بسبب ثقته في هذا المؤثر والثانية بفضل المصطلحات العلمية غير الدقيقة.
من حق الشركات المنتجة أن تبذل جهدًا كبيرًا لبيع منتجاتها، ولا نملك في المقابل إلا أن نبذل جهدًا لكي نتأكد من مدى مناسبة هذه المنتجات لنا.
فالإنترنت نفسه الذي يسمح للشركات بألف طريقة لتسويق منتجاتهم وملاحقتك بها أينما ذهبت، يقدم لك أيضًا عشرات الطرائق لتتيقن من حقيقة تلك المنتجات. فلتبحث عن مكونات كل منتج وتسأل عن جودة كل مكوِّن وكميته. ثق في العلم، لكن لا تثق في رجال التسويق المتنكرين في ثوب «الإنفلونسر المريض».
نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj