كيف انتصر الكنغر على هوَسي بكُرة القدم

من بين الأصوات المُطالبة بإيجاد بديل لجلود الكنغر الكثير من المهووسين بكرة القدم، أدركوا فيها أن حياة حيوان بريء أهم من مباراة كرة قدم.

لا أطيق البقاء أكثر من ثلاث دقائق داخل متاجر بيع الملابس بأنواعها، لكنْ تتحول الدقائق الثلاث تلك بقدرة قادر إلى ثلاثين دون أدنى ملل إذا كان هذا المتجر يبيع الأحذية الرياضية. يتعلق الأمر بطفولتي البعيدة التي مثَّلت فيها الأحذية صك الجودة الذي لن يُمنح لي، بل لا بد من العمل بجِد حتى أستحقه تمامًا.

لعبتُ كرة القدم لأول مرة في الشارع دون حذاء، وعندما بت لاعبًا أساسيًا في فريق الحي ارتديت حذاء محلي الصنع من القماش، ثم تطور الأمر ونجحت في اختبارات الناشئين لأحد الأندية الصغيرة، فأهدتني والدتي حينئذ حذاء «أديداس» لا يفارق تصميمه ذاكرتي أبدًا.

كبرت ولم أحترف كرة القدم، لكنني كتبت عنها وتعلقت بقصصها بما في ذلك قصص أحذية كرة القدم بالطبع. منها قصة خلاف «عائلة داسلر» الذي كان سبب ميلاد شركتي أديداس وبوما، وقصة أحذية المطر التي أسهمت بها أديداس في فوز المنتخب الألماني بمونديال 54، والرشوة التي دفعتها بوما من أجل تركيز الكاميرا على حذاء بيليه في مونديال 70 وأثر ذلك في الاهتمام بعوائد بث مباريات كرة القدم فيما بعد.

أحب الأحذية الرياضية وأحفظ تاريخها وأكن لها الكثير من الاحترام؛ لأنها صنعت تطورًا ملموسًا في حياتي وفي الرياضة التي أحبها.

لهذا السبب عندما تساءلت إيمان أسعد «رئيسة تحرير نشرة أها» مستنكرة: «هل تصنع أديداس أحذيتها من جلد الكنغر💔؟» تطوعتُ بالإجابة: «بالطبع؛ لأن جلد الكنغر له قدرة على الثني بشكل أسرع من باقي الجلود».

 تساءلت إيمان وفي داخلها تعاطف حقيقي عن فكرة قتل الكنغر على رغم وجود البديل. أما أنا فقد أجبتُ وداخلي صوت الطفل المهووس بالكرة يقول: «فلتذهب كناغِر العالم جميعًا إلى الجحيم من أجل كرة قدم أفضل».

لم تمر إلا لحظات حتى تفهمتُ أن هوَسي بكُرة القدم أفقدني التفكير بشكل إنساني تجاه مخلوق لا ذنب له، وأنه لا بد من وجود حل بديل يحافظ على الكناغر آمنة ويضمن لنا تطور أحذية كرة القدم ومن ثَم اللعبة نفسها.

كان سبب تساؤل إيمان اندلاع حملات موسعة للمطالبة بالتوقف عن قتل حيوانات الكنغر لصنع أحذية كرة القدم، حيث يُقتل 1.6 مليون حيوان كنغر كل عام. ولاقت هذه الحملات مؤخرًا تأييدًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأسهمت في انتشارها شخصيات شهيرة مثل الممثل جيمس كرومويل الذي قرر الاحتجاج شخصيًا داخل متجر أديداس.

كما العادة، أدركت الشركات الرياضية أن مصالحها على المحك، وكان الحل البديل الذي سعدتُ به شخصيًا هو استخدام التقنية في موضعها الصحيح.

إذ أعلنت نايكي أنها ستتخلص تدريجيًا من المادة الجلدية المعروفة باسم «k-leather» خلال العام 2023 لتحل محلها مادة مصنعة بالكامل. كما قررت شركة بوما هي الأخرى أن تستبدل بجلد الكنغر مادة غير حيوانية معادًا تدويرها بنسبة 20% تسمى «k-better»، وهي كلمة مشتقة من «الأفضلية». وأوضحت أديداس أيضًا أن جلد الكنغر استُبدلت به مواد مبتكرة أخرى، لكنها لم تعلن صراحةً التوقف عن استغلال جلود الكناغِر.

أؤمن تمامًا أن من بين الأصوات المُطالبة بإيجاد بديل لجلود الكنغر الكثير من المهووسين أمثالي بكرة القدم وأحذيتها، إلا أنهم مروا باللحظة ذاتها التي أدركوا فيها أن حياة حيوان بريء أهم من مباراة كرة قدم مع وجود البديل. كما بت أدرك أن التقنية التي يتهمها البعض بأنها ستكون سبب إفساد كرة القدم لها وجه آخر جعلتها به أفضل دون الشعور بالذنب حيال ملايين الكناغِر.

كل ما أرجوه الآن أن تتفهم زوجتي السبب الحقيقي الذي يجعلني أطيل المكث في محال بيع الأحذية الرياضية أكثر من غيرها، وأن تستعد لمنحي دقائق إضافية. فمن الآن وصاعدًا سأطلب من البائع اسم موديل الحذاء لأبحث عنه وأتأكد من كونه مصنوعًا من جلد الكنغر أو لا. 

الرياضةالمجتمعكرة القدمالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
يومي منثمانيةثمانية

نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj