استثمار المال الجريء لم يخرج من النفق المظلم

بلغ مجموع استثمار المال الجريء في الشركات الناشئة عالميًّا في الربع الثالث 73 مليار دولار، بزيادة طفيفة عن الربع الثاني.

تمويل المال الجريء عالميًّا في الربع الثالث أقل من نظيره العام الماضي

بلغ مجموع استثمار المال الجريء في الشركات الناشئة عالميًّا في الربع الثالث 73 مليار دولار، بزيادة طفيفة عن الربع الثاني، لكن بانخفاض 15% عن الربع الثالث في العام الماضي حيث بلغ مجموع الاستثمار 86 مليار دولار. 

معاذ خليفاوي وعبدالله سعيدان:

نحن مدركون منذ بداية العام أنَّ 2023 لن تكون سنة قويَّة في استثمار المال الجريء، وأرقام الربع الثالث تؤكد هذا الشيء. فرغم كل مساوئ 2022، كانت الأرقام فيه أفضل مما نراه هذا العام. وللمقارنة، لكي نوضِّح حجم هذه الفجوة، فالرقم 73 مليار دولار يمثِّل 45% من إجمالي الاستثمارات في عام 2021. 

بالطبع، 2021 كانت سنة استثنائية، ولهذا علينا ألا ننسى أنَّ كثيرًا من الشركات التي جرى تمويلها في عاميْ 2020 و2021 في حاجة إلى جمع جولات متتالية لتغطية الصفقات التي عقدتها، ما يعني أن لدينا عددًا كبيرًا من الشركات تحتاج إلى تمويل بينما التمويل في انخفاض.

لهذا نرى أنَّ عدد الشركات الناشئة التي تعلن إفلاسها أكثر من العامين الماضيين، ومتوقع استمرار هذا الوضع إلى أن نرى بدايات التصحيح في عام 2024، بعدما يمر 24 إلى 36 شهرًا منذ التمويل الأول بداية 2022 وتكون الشركات قد ركّزت أكثر على الربحية ضمن هيكلة صحيَّة، وتحقق نجاحًا يؤهلها لجمع جولات متأخرة. 

كذلك، علينا أن نضع في الحسبان أنَّ الشركات الناشئة في قطاع الذكاء الاصطناعي لها فضل كبير في رفع نسبة التمويل الجريء لهذا العام؛ لكن من جهة أخرى، هذا يعني انخفاضًا أكبر في تمويل الشركات الناشئة خارج هذا القطاع. 

أما لدينا في المنطقة، فقد حقق الاستثمار في المال الجريء رقمًا قياسيًّا في 2022 بجموع 3.1 مليار دولار، لكن مع نهاية الربع الثالث من هذه السنة فمجموع الاستثمارات حتى الآن 1.2 مليار دولار، في انخفاض 50%. قد نشهد جولات دسمة نوعًا ما في الربع الرابع، لكن لن تغيّر من واقع الانخفاض.

«جسر» السعودية تغلق جولة بقيمة 30 مليون دولار

جمعت شركة «جسر» لحلول الموارد البشرية 30 مليون دولار بعد إغلاق جولة من الطراز (أ) بقيادة «ميراك كابيتال»، وهي أكبر جولة من الطراز (أ) لشركة برمجيات (SaaS) في الشرق الأوسط. تقدم جسر لعملائها حلول تقنية في مجال تحويل إدارة الموارد البشرية وتحديثها في السعودية من خلال جمع العمليات كلها في منصة واحدة.

معاذ خليفاوي:

اللافت في هذا الخبر أنَّ «جسر» تأسست عام 2016 وأغلقت جولتها من طراز (أ) في 2023، فنحن نتكلم عن سبع سنوات من مسيرة الشركة. ولم أجد أخبارًا واضحة عن إجمالي التمويل الذي جمعته سابقًا، لكن الاحتمال المرجَّح أنها لم تجمع أكثر من مليونيْ دولار أو ثلاثة كأقصى حد. 

بقاؤها هذه السنوات بدون جولات تمويل يبيِّن قوة ومرونة الشركات التي تعتمد نموذج الاشتراكات الشهريَّة، خصوصًا إذا نجحت الشركة بتمويل بسيط في بناء منتج يصل إلى مئات الآلاف من المستخدمين من غير حرق مبالغ كبيرة. هذا يعني أنَّ وصول «جسر» إلى هذه المرحلة اليوم تحقَّق من خلال تمويلها عملياتها التشغيلية من التدفق المالي الإيجابي من الاشتراكات، إذ لا تحتاج إلى عدد كبير من الموظفين أو ميزانية تسويق ضخمة أو معدَّل حرق عالٍ، خصوصًا إذا كان لديها موائمة نوعية بين المنتج ومتطلبات السوق. 

I3ptlbkp
شركة «ريد بوكس» العاملة في قطاع الشحن والخدمات اللوجستية / RedBox

«ريد بوكس» تجمع 7 مليون دولار بقيادة «جاهز»

أغلقت شركة «ريد بوكس» السعودية المتخصصة في خزائن الشحن الذكية جولة استثمارية بقيمة 7 مليون دولار بقيادة شركة «جاهز». وتخطط «ريدبوكس» لاستثمار التمويل في التوسُّع في عدد الخزائن لمواكبة الطلب وتطبيق حلول تقنيَّة. وهذا ثاني استثمار لشركة «جاهز» في شركة متخصصة في عمليات الشحن وخدمات الميل الأخير بعد استثمارها في «برق». 

معاذ خليفاوي وعبدالله سعيدان:

نلاحظ في الآونة الأخيرة استثمار «جاهز» في الشركات اللوجستيَّة الداعمة لقطاع خدماتها وتوسيعها. ورغم أنَّ «جاهز» شركة ناشئة لكنها قادرة على الاستثمار بسب امتلاكها السيولة الكافية بعدما طُرحت في السوق وجمعت نحو مليار ريال سعودي. وهذا الفرق بينها وبين الشركات الناشئة الأخرى التي تستثمر بأموال المستثمرين والصناديق الاستثمارية.

كذلك فإنَّ «جاهز» حاليًّا شركة رابحة، فلا تحتاج السيولة في تمويل عملياتها، مما يعطيها المجال الكافي للاستثمار والتوسُّع. هذه الاستثمارات تخدم «جاهز» بطريقتين. قد تحقق بعض الشركات التي استثمرت فيها نجاحًا جيدًا مما يعود على «جاهز» بعوائد مالية. لكن الأهم، أنَّ هذه الاستثمارات في الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة تساعد «جاهز» في الانكشاف على أسواق مجاورة ومهمة باستثمار معقول، فتستطيع فهم عمل هذه الأسواق وكيف تبني خدمات مساندة فيها. 

ويتأكد هذا الهدف من الاستثمارات في توجه «جاهز» إلى تقليص اعتمادها على قطاع الأغذية إلى 20% من إيراداتها. هنا تتضح لنا أنَّ الاستثمارات بوابة إلى استحواذات مستقبليَّة تحقق هذه الاستراتيجية. 

«إنتلا» المصرية تجمع جولة بقيمة 3.4 مليون دولار

أغلقت شركة «إنتلا» جولة ما قبل الطراز (أ) بقيمة 3.4 مليون دولار بقيادة «هلا فنتشرز» و«صندوق واعد» الذراع الاستثماري لأرامكو. تأسست «إنتلا» في عام 2016 في مجال التقنية العميقة وأبحاث السوق والذكاء الاصطناعي. وتخطط الشركة للانتقال إلى السعودية وتعزيز تواجدها في السوق التقني هناك.

معاذ خليفاوي وعبدالله سعيدان:

من اللافت أنَّ أغلب المستثمرين من السعودية في مقدمتهم «هلا فنتشرز» و«صندوق واعد»، و«صندوق واعد» من أكثر المستثمرين نشاطًا هذا العام وعلى مستوى مختلف من حيث حجم الجولات سواء مراحل مبكرة أو متأخرة. 

وفي عودة إلى حديثنا عن دور الذكاء الاصطناعي في سد فجوة الانخفاض في استثمار المال الجريء في الغرب، فنحن إلى الآن لا توجد لدينا في المنطقة شركات في قطاع الذكاء الاصطناعي تسد فجوة الانخفاض. فالسؤال: هل مصير شركات الذكاء الاصطناعي لدينا يتمحور فقط حول دور «اللغة العربية»؟ 

فالنماذج كلها موجودة، فهل ما سنفعله مجرَّد تعريبها؟ لأنَّ مجال التعريب ليس نموذج عمل مستدام في قطاع الذكاء الاصطناعي، صحيح له احتياج على المدى القصير وممكن تسويقه والربح منه، لكن متى ما دعمت الشركات الكبرى نماذجها باللغة العربية لن يعود هناك احتياج. 

بالطبع لا تزال الفرصة متاحة للشركات في المنطقة في تعريب نماذج الذكاء الاصطناعي إلى «اللهجات المحليَّة»، وربما إذا تفوقت تلك الشركات تجذب الشركات الكبرى إلى الاستحواذ عليها والاستفادة منها.

وقد يكون الهدف أن تحظى «إنتلا» كخطوة أولى بحصة سوقية كبيرة مع غياب تنافس محلي، ومتى ما أمَّنت موقعها تنطلق إلى تطوير عملها. إذ يتضح من الجولة الثانية التي جمعتها «إنتلا» واستمرار بعض المستثمرين معها أنَّ ثمة ثقة في فريق عملها وقدرتها على التطوُّر وفرص النمو. 

معجم السوق:

منطقة الشرق الأوسط (MENA): قد يبدو المصطلح واضحًا، لكن في معجم السوق فمصطلح «الشرق الأوسط» مبهم، لأنَّ مصادر البيانات والإحصائيات غير متفقة على قائمة الدول التي تنتمي إلى هذه المنطقة؛ بعض المصادر تضيف تركيا، وأخرى تضيف باكستان. نتيجة هذا الاختلاف فمن الصعب تحديد الأرقام والبيانات بدقة، مثل إجمالي استثمار المال الجريء في منطقة الشرق الأوسط. 

الموجز:

  • «موني هاش» المصرية تجمع جولة من توم بريستون-ويرنر المؤسس المشارك في «GitHub»، دون أن تعلن عن قيمتها. 🤫💰

  • «دارما» الإماراتية للسياحة والسفر تغلق جولة ما قبل الطراز (أ) بقيمة 4.7 مليون دولار. ✈️📲

الاستثمار الجريءالشركاتالرأسمالية
نشرة السوق
نشرة السوق
منثمانيةثمانية

مستثمرون، بآراء واستثمارات جريئة. نهاية كل أسبوع يجتمعون، ويناقشون مواضيع في ريادة الأعمال وتحولات الأسواق التقنية عالميًّا ومحليًّا.