كيف استطاعت إكس خطف أبوفلَّة؟

«إكس» المنصة الوحيدة التي لا تزال إلى اليوم تحتفظ بوعد الإنترنت القديم، بأن تُتاح للكل فرصة معرفة الخبر والتأكد بأنفسهم من مصداقيته.

استيقظت صباح الإثنين على صراخٍ من تلفاز الصالة. مهنَّا ابني، ذو التسع سنوات، مُعتاد على أن يبدأ صباحه قبل الذهاب إلى المدرسة على قنوات اليوتيوب، يتناول إفطاره في صحبتها ثم يبدأ الاستعداد لرحلة المدرسة. كان من يعلو صوته في التلفاز الشهير «أبوفلَّة»، وحديثه معترضًا على حذف اليوتيوب لفيديو سابق له عن فلسطين، وإعطائه إنذارًا عليه. 

ثلاثة إنذارات تعني إغلاق القناة نهائيًا، وهذا أمر صعب القبول على شخصٍ مثله عدد مشتركي قناته يقترب من 34 مليونًا. الإنذار لم يمنعه من ظهوره هذا الذي قال فيه لـ يوتيوب صراحةً: افعلوا ما بدا لكم، لا أخطط لتغيير رأيي حول فلسطين، ولكم أن تغلقوا القناة نهائيًا إن شئتم. 

يوتيوب لم يحذف مقطعه الاعتراضي هذا الذي حصد أكثر من أربعة ملايين مشاهدة خلال ثلاثة أيام، على رغم لغة «أبو فلَّة» الساخطة والغاضبة والمؤكدة لرأيه الأصلي الذي لأجله حُذفَ مقطعه الأول. لكن لماذا لم يُكرر يوتيوب حذفه؟ هذا المنشور على «إكس» يوضِّحُ ذلك. «أبوفلَّة» يقول إنه سينقل محتواه من يوتيوب إلى «إكس» ويحيي حرية الرأي التي يضمنها له «إكس» في مقابل ما تعرض له على يوتيوب. 

خسارة يوتيوب لشخصٍ محتواه مُتابَع بشدة تعني خسارة سوق إعلانية جيِّدة يأتي بها والتنازل عنها طوعًا لمنصَّات منافسة، تمامًا كما فعل «أبوفلَّة» مع «إكس». لذا لم يُحذف فيديو «أبوفلَّة» الاعتراضي، بل عاد بعده لقناته بفيديو جديد عن الطفل الشهيد عوني الدوس الذي يتابعهُ من غزة، واستعرض رسائله إليه مع مشاهديه قبيلَ استشهاده. 

حرية التدوين على منصات التواصل الاجتماعي باتت مثار جدَل في الأيام الأخيرة، متا مثلًا باتت منصتها إنستقرام تواجه شكاوى متعددة عن أن المحتوى المناصِر لفلسطين يُحجب أو يُحذف لتعارضه مع ما تريد المنصة نشره على صفحات مستخدميها. 

متا أُتيحت لها فرصة ذهبية لاختراق السوق بعد أن حققت منصتها ثريدز مئة مليون مشترك في أيامها الأولى، المنصة التي كان يُنظَر إليها على أنها البديل المنطقي لـ«إكس» بعد تحولاته المضطربة بسبب استحواذ مسك عليه، إلا أن صُناع ثريدز لا يرون ذلك. آدم موزري المشرف على إنستقرام يرى ثريدز منصةً أقل غضبًا ويقول إن مارك زوكربيرق يرغب في رؤيتها منصةً إيجابية تهيئ بيئة صديقة ومبتسمة لكل ما حولها. 

هذه المقاربة تُلغي فرصة ثريدز في أن تكون منصة بديلة من «إكس» في نقلِ أخبار العالم، لأنك، بوضوح، لا تستطيع أن تصنع وردًا من كل ركام القنابل المتساقط على غزة. 

في المقابل يبدو أن «إكس» يتعامل بواقعية أكثر مع نقل أحداث العالم، فهو يتيح لكل أحد صنع المحتوى الذي يؤمن به، ويتيح لمجتمعه من الحسابات أن تتركَ تعليقاتها حول المحتوى إن لم ينقل الحقيقة أو حرَّفها، وذلك من خاصية (Community Notes). ويكفي دليلًا على نجاح هذه الخاصية أنها تلقت مشاهدات عالية في الأيام الماضية وصلت عشرات الملايين في اليوم الواحد!

عدد مستخدمي تطبيقات التواصل وصل إلى 4.88 مليار مستخدم، والفائزة من المنصَّات هي من تتيح المجال للآراء المختلفة عن رأيها في المنصات التي تملكها وتديرها.

فشلت متا في ذلك بانحيازها وحجبها لموقفٍ لا تتفق معه، وترسَّخ موقفها مع إيقاف تفعيل حساب «@eye.on.palestine» على منصاتها (صرَّحت متا أنَّ الإيقاف لا علاقة له بالمحتوى، لكن لوجود مخاطر أمنية واحتمال اختراق الحساب). يوتيوب فعلت كذلك بسياساتها في حذف الفيديوات التي تُعبر عن رأي أصحابها. في حين أن الفائز من كل هذا الذي يجري هو «إكس» الذي أتاحَ منصته لكل الآراء اتفقَ معها أو اختلف، على رغم انحياز مالك المنصة إيلون مسك للكيان الإسرائيلي، لتفوز المنصة بحضور كل من أراد أن يُعبّر عن رأيه.

هكذا، في الأسابيع الماضية، نجحت منصة «إكس» في الحفاظ على موقعها منصة للأخبار، سواء أكانت حقيقية أم زائفة، ومصدرًا سريعًا لآخر التحديثات لوسائل الإعلام والصحافيين، وساحة مفتوحة لتبادل الآراء بكل أشكالها، حتى السيئة منها. 

والسبب أنَّ «إكس» المنصة الوحيدة التي لا تزال إلى اليوم تحتفظ بوعد الإنترنت القديم، بألا يكون هناك حرّاس على البوابة، وأن تُتاح للكل فرصة معرفة الخبر والتأكد بأنفسهم من مصداقيته. وإيلون مسك فهم أنَّ تمسكه بهذا الوعد الذي تخلَّى عنه غيره يتُرجَم إقبالًا أكبر عليه يرفع إيرادات منصته؛ لأنّه ببساطة استطاع الفوز بـ«أبوفلَّة». 

إكسالمجتمعوسائل التواصل الاجتماعيالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.