استعادة شبابك الجسدي لا تعني استعادة عمرك

أرجو أن تستغل سنيّك بطريقة ترضيك وتسعدك؛ لأن كلفة استعادة شبابك الجسدي مليونا دولار سنويًا، أما عمرك فلا مال في الدنيا يكفيك لكي تسترجعه.

في نشرة أها! من ثمانية

منذ عصورنا القديمة حتى اليوم – ظني أنه سيكون إلى الأبد – كنا وما زلنا كبشر مفتونين بالحياة الأبدية وإطالة العمر، حتى في أقدم قصة مكتوبة في التاريخ عند السومريين التي يعود تاريخها إلى ما بين 2750 و2500 سنة قبل الميلاد. أتحدث بالطبع عن ملحمة «قِلقامش» المذكورة في اللوح التاسع، والذي خرج للبحث عن سر الحياة الخالدة من عند جده الذي كان خالِدًا.

جميعنا نشبه قلقامش بطريقة أو أخرى، ونتبع ما نعتقد بأنه سيطيل عُمُرَنا أو يحسن من صحّتنا على الأقل حتى لو لم تكن أنظمتنا مثالية. وأتذكر جدتي -رحمها الله- جيدًا وهي تسارع بتحضير شراب «المُرَّة» لي عندما أمرض لأنها «تنظف البطن». وبغض النظر عن صحة ممارساتنا للطب البديل من عدمها، فإن التقارير تُشير إلى أننا، في غضون أقل من قرن، ارتفعت متوسطات أعمارنا على مستوى العالم من 46.5 سنة في عام 1950 إلى 73.4 سنة في 2023. فقد أصبحنا نتناول طعامًا أنظف، وتطورت تقنيات الطب، وبدأنا نتبع ممارسات حياتية صحية مثل التمارين الرياضية والتأمل وازداد لدينا الوعي للصحة النفسية.

واليوم كشفت دراسة منشورة في مطلع هذه السنة أنهم تمكنوا من «عكس» عملية التقادم في العمر عند الفئران؛ إذ استعادوا حاسة النظر لديها وأعادوا بناء خلايا الدماغ والعضلات والكِلى. وبالطبع سيقع الدور على الإنسان في هذه التجارب.

فعلى خُطى «قلقامش» نفسها، انطلق المليونير الأمريكي براين جونسون البالغ من العمر 46 سنة في رحلته للبحث عما يمكّنه من عكس عملية نموّه البيولوجية؛ فوظف ثروته لتكوين فريق من ثلاثين طبيبًا بهدف اكتشاف سر الحياة الذي يطيل العمر إلى أطول حد ممكن بأفضل صحة بدنية ممكنة. وتنوَّعت ممارساته بين قضاء عدة ساعات في الرياضة يوميًا وحصر نظامه الغذائي في الأكل الصحي ومتابعة أدق وأصغر التفاصيل الحيوية في بدنه بل في أسلوب حياته كلها، حتى إنه حقن نفسه بخلايا شابّة من ابنه بهدف عكس عملية نمو جسمه الحيوية.

هَوَس براين جونسون أتاه بعد اقترابه من منتصف العمر واستيعابه أنه قضى كل شبابه في بناءِ ثروته. فقد وعى حقيقة أنه لم يعش شبابه كما كان يتمنى؛ ولذا فهو الآن يريد أن يستخدم ثروته لاستعادة هذا الشباب الضائع. ولا أريد هنا أن أنتقد براين؛ فهو حُر في ثروته، بل قد ينتج من الدراسات التي يعمل عليها ما هو مفيد للبشرية جمعاء بغض النظر عن تطرُّفه في طرائقه. لكني أعتقد بوجود اختلاف جوهري بين أن تستعيد عُمُرَك وأن تسترجع شبابَك.

إنك كبشر عبارة عن تجربة حياتية متراكمة على مر السنين؛ فلا تستطيع مثلًا أن تستعيد تجربة الطفولة كما كانت أو تجربة المراهقة والشباب؛ لأننا خلال هذه السنين نُراكم خبراتنا ومعرفتنا لتكوين شخصيّاتنا التي نحن عليها الآن. أما استعادة العمر، إذا تحققت عند البشر، فلن تكون بالقيمة نفسها أبدًا لما كُنتَ عليه في الشباب. ستكون نسختك بعمر ستين عامًا في جسد عمره ثلاثين عامًا. وهذا بالطبع ليس بالشيء السيئ أبدًا، وأعتقد بأنه ينبغي للبشرية الاستثمار في إطالة العمر واكتشاف التقنيات التي تستعيد خلايا الدماغ أو تمكِّن الجسم من إعادة توليد نفسه كما عند بعض الحيوانات.

لكن يجب ألّا نغفل عن حقيقة واضحة، هي أنه مهما تمكنت من استرجاع عمرك فلن تتمكن من استرجاع زمن مضى. ولذلك، يا صديقي، إذا كنت تقرأ هذه الكلمات فأغلب الظن أنك شاب أو شابة بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين. وأرجو أن تستغل سنيّك هذه بعيشها بطريقة ترضي خالِقكَ وتُرضيك وتسعدك؛ لأن كلفة استعادة شبابك الجسدي اليوم هي مليونا دولار سنويًا، أما عمرك فلا مال في الدنيا يكفيك لكي تسترجعه.

الإنسانالشبابالمجتمعالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
يومي منثمانيةثمانية

نحن ممتنون لزيارتك لمدونتنا، حيث ستجد أحدث المستجدات في عالم التكنولوجيا والابتكار. نهدف في هذه المدونة إلى تقديم لك محتوى ذو جودة عالية يغطي مجموعة واسعة من المواضيع التقنية المثيرة.jj