إمّا مع دارث فيدر، أو مع الإرهاب

إمّا مع دارث فيدر، أو مع الإرهاب. هكذا تحاول الكثير من الأفلام تصوير الحياة، إمّا معنا (الأخيار) أو مع الأشرار والإرهاب الذي يدمر العالم.

قد تظهر لنا الكثير من الأفلام على أنّها سطحية وذات نصوص ركيكة كُتِبت لجني الأموال وتصدُّر شبابيك التذاكر. ولكن حين نمعن النظر في رمزياتها وإسقاطاتها نجدها أعمق من ذلك بكثير.

كتابة الأفلام شبيهة بكتابة الروايات أو القصص المصورة. فهي وسيط يعبّر من خلاله الفنّان عن أفكاره، وينسج عالمه الخاص. تجده يجسّد من يُكن له مشاعر الكره بشخصيات وحشيّة ومجرمة، ومن يرى فيه بصيص الخير والأمل يستوحي منه شخصية البطل. ويحاول عبر عالمه هذا تقديم رمزياته وتهكّماته على العالم الواقعي، لكن عبر شاشة السينما التي تستطيع أخذنا إلى مجرة بعيدة، بعيدة جدًا.

الأفلام كنافذة للهروب من العالم

كانت هذة الظاهرة جليةً تمامًا على مَن يقرأ بين السطور ويدرس الشخصيات بعناية في سلسلة حرب النجوم (Star Wars). نعم هذه السلسلة المحببة للأميركان ولبعضنا التي خصصّوا لها يومًا سنويًا للاحتفاء بها من شدّة تعلقهم بعالمها.

ولكن ما يخفى على الكثير منهم أن استلهامات الكثير من الشخصيات المحببة لديهم التي تعلقوا بها لدرجة أنهم يطبعونها على قمصانهم التي يلبسونها وأكوابهم التي يشربون منها وحقائب الأطفال التي يبكون من أجل اقتنائها – استُلهِمت من أعلام السياسية الأميركية.

ففي تصريح لصحيفة شيكاقو تريبيون، أوضح جورج لوكاس (George Lucas) مخرج السلسلة أن فترة حرب فيتنام، ومحاولات الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ترشيح نفسه لولاية أخرى كانت أحد أهم المؤثرات ومصادر الاستلهام التي ساعدته في بناء هذا العالم وتكوين شخصياته.

أوضح لوكاس أيضًا الكثير من الأمور والرمزيات السياسية في هذه السلسلة، وكيف ساعده ذلك على تقوية ارتباط المشاهدين بالسلسلة. وكيف أن محبي السينما يستخدمون الأفلام كنافذة للهروب من عالمهم، ولا يريدون أن يروا أو يسمعوا بها القضايا نفسها والأسماء السياسية التي تملأ يومهم في كل مكان. يكفي أن يروهم حين يقلبوا محطات التلفاز، ويظهروا لهم حين يشغلوا المذياع في طريقهم إلى العمل، ويرونهم في اللوحات الدعائية في أنحاء الطرقات.

«أنتم إمّا معنا، أو مع العدو»

تجلت براعة لوكاس باختزال العالم السياسي في سلسلته وتجسيد أهم الرموز في شخصياته بطريقة شيّقة وغير مباشرة. فعلى سبيل المثال، كانت شخصية الإمبراطور بالباتاين الشهيرة مستوحاة من شخصية الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. وعندما سألوا جورج لوكاس عن ماضي الإمبراطور أجابهم متهكمًا:

لقد كان سياسيًا. كان اسمه ريتشارد نيكسون، وقلب نظام مجلس الشيوخ وأصبح إمبراطورًا، وكان شريرًا و لكن يتظاهر دومًا بأنه رجل لطيف.

لم يتوقف لوكاس عند هذا الحد فحسب، بل قام بإسقاطات واضحة للعلن ليشير إلى رمزيات شخصياته. مرة أخرى كانت السياسة مصدر إلهام ساعده في نسج عالم ثلاثيته الثانية وبنائه التي تقاطعت فترة إنتاجها مع فترة الحرب الأميركية على الإرهاب ورئاسة بوش الابن.

ففي الحلقة الثالثة من السلسلة، والمنتجة عام 2005، استعار لوكاس إحدى أشهر خطابات جورج بوش في فلمه. نعم، استخدم تلك الجملة الشهيرة «أنتم إمّا معنا، أو مع العدو» التي قالها في خطابه عندما أعلن الحرب على الإرهاب عام 2003.

في الفيلم،

استعار دارث فيدر (Darth Vader) هذا الخطاب عندما قال في أحد المشاهد الأيقونية «إذا لم تكن معي، فأنت مع العدو». يرى جورج لوكاس، الرئيس بوش رمزًا للشر، ولكنه كان في ماضيه رجلًا صالحًا في حين أن الشر المطلق يتمثل في ديك تشيني (*** Cheney)، نائب الرئيس آنذاك. وساعده ذلك في تشكيل شخصية الإمبراطور الذي استقطب دارث فيدر من جانب الخير إلى الجانب المظلم.

استخدم رونالد ريقن وباراك أوباما وهيلاري كلينتون، وغيرهم كثير من السياسيين اقتباسات من حرب النجوم في خطاباتهم وحملاتهم الدعائية. لا عجب في ذلك، إذا علمت أن جورج لوكاس كتب ملامح السلسلة وقت دوامة قضية ووترقيت (Watergate)، وفترة إعلان الحرب على الإرهاب. وأن دوافع كتابة هذه السلسلة هو الوضع السياسي المرتبك في الفترتين، فقد أجاب لوكاس عن سؤاله عن الرمزيات السياسية في السلسلة الأصلية وقال:

لقد كانت عن حرب فيتنام وفترة رئاسة نيكسون التي جعلتني أفكر تاريخيًا عن كيف تُحَوَّل الديمقراطيات إلى دكتاتوريات؟ لأن الديمقراطيات لا يًطاح بها، ولكنها تُسلَب من الداخل.

عندما تشاهد فلمًا جديدًا، عليك بالتمحيص في خباياه و طبقاته ورسم الخطوط بين رمزياته وعالمنا الحقيقي. أو افعل كما فعل البقية، أرجع ظهر كرسيك للوراء وخذ رشفةً من مشروبك المفضّل، واستمتع فقط بما هو أمامك، كما هو.

الأفلامالإرهابالسياسةالثقافة
المقالات العامة
المقالات العامة
منثمانيةثمانية